الصحابي - رضي الله عنه - لم يعرف استعمال الخيط الأبيض والأسود للمعنى المقصود في الآية حتى بيّن له النبيّ - صلى الله عليه وسلم -.
٤ - (ومنها): جواز التوبيخ بالكلام النادر الذي يسير، فيصير مثلًا بشرط صحّة القصد، ووجود الشرط عند أمن الغلوّ في ذلك، فإنه مزلّة القدم؛ إلا لمن عصمه الله تعالى، كذا قال ابن المنيّر -رحمه الله-.
٥ - (ومنها): أنه يستفاد من هذا الحديث -كما قال عياض -رحمه الله- وجوب التوقّف عن الألفاظ المشتركة، وطلب بيان المراد منها، وأنها لا تحمل على أظهر وجوهها، وأكثر استعمالاتها إلا عند عدم البيان.
٦ - (ومنها): أنه استُدِلّ بالآية، والحديث على أن غاية الأكل والشرب طلوع الفجر، فلو طلع الفجر، وهو يأكل، أو يشرب، فنزع تمّ صومه، وفيه اختلاف بين العلماء، ولو أكل ظانًّا أن الفجر لم يطلع لم يفسد صومه عند الجمهور؛ لأن الآية دلّت على الإباحة إلى أن يحصل التبيّن. وقد روى عبد الرزّاق بإسناد صحيح، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال:"أحلّ الله لك الأكل والشرب ما شككت". ولابن أبي شيبة عن أبي بكر وعمر نحوه. وروى ابن أبي شيبة من طريق أبي الضحى، قال: سأل رجل ابن عباس عن السحور؟ فقال له رجل من جلسائه: كل حتى لا تشكّ، فقال ابن عباس: إن هذا لا يقول شيئًا، كل ما شككت حتى لا شككت.
قال ابن المنذر: وإلى هذا القول صار أكثر العلماء. وقال مالك: يقضي.
وقال ابن بزيزة في "شرح الأحكام": اختلفوا هل يحرم الأكل بطلوع الفجر، أو بتبيّنه عند الناظر تمسكًا بظاهر الآية؟ واختلفوا هل يجب إمساك جزء قبل طلوع الفجر، أم لا؟ بناءً على الاختلاف المشهور في مقدّمة الواجب. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: الحقّ أن تحريم الأكل ونحوه متعلّق بتبيّن الفجر، وتحقُّقه، لا بمجرّد الطلوع؛ لظاهر الآية الكريمة، وأما القول بوجوب إمساك جزء من الليل، فبطلانه واضح؛ لمصادمته ظاهر الآية، فتبصّر، وسيأتي تحقيق القول في ذلك في شرح أحاديث المسحور قريبًا - إن شاء الله تعالى- والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.