للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والفجر مأخوذٌ من تفجّر الماء؛ لأنه ينفجر شيئًا بعد شيء. انتهى (١).

ولفظ البخاريّ: عن سهل بن سعد الساعديّ - رضي الله عنه - قال: "أُنزلت: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}، ولم ينزل {مِنَ الْفَجْرِ}، فكان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجله الخيط الأبيض، والخيط الأسود، ولم يزل يأكل حتى يتبيّن له رؤيتهما، فانزل الله بعدُ: {مِنَ الْفَجْرِ}، فعلموا أنه إنما يَعنِي الليل والنهار" (٢).

قال القرطبيّ -رحمه الله-: حديث عديّ يقتضي أن قوله: {مِنَ الْفَجْرِ} نزل متّصلًا بقوله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: ١٨٧]، وأن عديّ بن حاتم - رضي الله عنه - حمل الخيط على حقيقته، وفهم من قوله: {مِنَ الْفَجْرِ} من أجل الفجر، ففعل ما فعل بالعقال الأبيض والأسود، وهذا بخلاف حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه -، فإن فيه أن الله تعالى لم يُنزلِ مِنَ الْفَجْرِ} إلا منفصلًا عن قوله: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ}، ولما وقع لهم الإشكال حينئذ أنزل الله تعالى: {مِنَ الْفَجْرِ} رافعًا لذلك الإشكال، وقد قيل: إنه كان بين نزولهما عام كامل.

وكأن الحديثين واقعتان في وقتين، ويصحّ الجمع بأن يكون حديث عديّ متأخّرًا عن حديث سهل، وأنّ عديّا لم يسمع ما جرى في حديث سهل، وإنما سمع الآية مجرّدة، ففهمها على ما قرّرناه، فبيّن له النبيّ - صلى الله عليه وسلم - أن الخيط الأبيض كنايةٌ عن بياض الفجر، والخيط الأسود كناية عن سواد الليل، وأن معنى ذلك أن ينفصل أحدهما عن الآخر، وعلى هذا يكون {مِنَ الْفَجْرِ} متعلّقًا بقوله: {يَتَبَيَّنَ}، وعلى مقتضى حديث سهل يكون في موضع الحال، متعلّقًا بمحذوف، وهكذا هو معنى جوابه في حديث سهل.

ويَحْتَمِل أن يكون الحديثان قضية واحدة، وذكر بعض الرواة -يعني في قصّة عديّ- متصلًا بما قبله كما ثبت في القرآن، وإن كان قد نزل مفرّقًا كما


(١) "المفهم" ٣/ ١٤٩ - ١٥٠.
(٢) انظر: "صحيح البخاريّ" رقم ١٩١٧ نسخة "الفتح"، و"صحيح مسلم" رقم- ٢٥٢٩ و ٢٥٣٠ نسخة شرح النووي، و"السنن الكبرى" للمصنّف ١١٠٢٢.