قال الحافظ رحمه الله: ظاهر صنيع البخاريّ يقتضي جواز التراخي والتفريق؛ لما أودعه في الترجمة من الآثار كعادته، وهو قول الجمهور، ونقل ابن المنذر وغيره عن عليّ وعائشة - رضي الله عنهما - وجوب التتابع، وهو قول بعض أهل الظاهر، ورَوَى عبد الرزاق بسنده، عن ابن عمر - رضي الله عنهما- يقال: يقضيه تباعًا، وعن عائشة - رضي الله عنهما - نزلت:"فعدة من أيام آخر متتابعات"، فسقطت "متتابعات"، وفي "الموطأ" أنها قراءة أبي بن كعب، وهذا إن صح يُشْعِر بعدم وجوب التتابع، فكأنه كان أوّلًا واجبًا ثم نُسِخَ، ولا يختلف المجيزون للتفريق أن التتابع أولى. انتهى.
وقال الشوكانيّ رحمه الله بعد احتجاجهم بقراءة "أُبيّ" المذكورة ما نصّه: على أنه قد اختُلِف في الاحتجاج بقراءة الآحاد؛ كما تقرر في "الأصول"، وإذا سلم أنها لم تسقط فهي منزّلة عند من قال بالاحتجاج بها منزلة أخبار الآحاد، وقد عارضها ما في الباب من الأحاديث.
ومما احتُجّ به للتتابع ما أخرجه الدارقطنيّ عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه - صلى الله عليه وسلم - قال:"من كان عليه صوم من رمضان، فليسرده، ولا يقطعه". لكن قال البيهقيّ: لا يصحّ، وفي إسناده عبد الرحمن بن إبراهيم القاضي، وهو مختلف فيه. قال الدارقطنيّ: ضعيف، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، رَوَى حديثًا منكرًا، قال عبد الحقّ: يعني هذا، وتعقّبه ابن القطان بأنه لم ينصّ عليه فلعله غيره، قال: ولم يأت مَن ضعفه بحجة، والحديث حسن.
قال الحافظ: قد صرّح ابن أبي حاتم عن أبيه بأنه أنكر هذا الحديث بعينه على عبد الرحمن. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: ما ذهب إليه الجمهور من جواز تفريق قضاء رمضان هو الأرجح عندي؛ لإطلاق قوله تعالى:{فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}، ولعدم صحة دليل على خلافه، والحديث المذكور قد عرفت ما فيه، فلا يصلح لمخالفة ظواهر النصوص، فتبضر، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): في اختلاف أهل العلم في وجوب الفدية على من أخّر قضاء رمضان حتى جاء رمضان آخر: