للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

للنسفيّ، وهي رواية أبي عوانة في "مسنده"، قال ابن قرقول: معناهما متقارب. انتهى. وعند أبي نعيم في "المستخرج": "أغلاها ثمنًا، وأنفعها عند أهلها".

وقال النووي رحمه الله تعالى: المراد به - والله أعلم - إذا أراد أن يُعتق رقبةً واحدةً، أما إذا كان معه ألفُ درهم، وأمكن أن يشتري بها رقبتين مفضولتين، أو رقبة نفيسة مثمنة، فالرقبتان أفضل، وهذا بخلاف الأضحية، فإن التضحية بشاة سمينة أفضل من التضحية بشاتين دونها في السمن، قال البغويّ من أصحابنا رحمه الله تعالى في "التهذيب" بعد أن ذكر هاتين المسألتين كما ذكرتُ: قال الشافعيّ رحمه الله تعالى: في الأضحية استكثارُ القيمة مع استقلال العدد أحبّ إليّ من استكثار العدد مع استقلال القيمة، وفي العتق استكثارُ العدد مع استقلال القيمة أحبّ إليّ من استكثار القيمة مع استقلال العدد؛ لأن المقصود من الأضحية اللحمُ، ولحمُ السمين أوفر وأطيب، والمقصود من العتق تكميلُ حال الشخص، وتخليصه من ذُلّ الرِّقّ، فتخليص جماعة أفضل من تخليص واحد، والله تعالى أعلم. انتهى (١).

وقال في "الفتح" بعدما ذكر نحو هذا: والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص، فربّ شخص واحد إذا أُعتق انتفع بالعتق، وانتفع به أضعاف ما يَحصُل من النفع بعتق أكثر عددًا منه، وربّ محتاج إلى كثرة اللحم لتفرقته على المحاويج الذين ينتفعون به أكثر مما ينتفع هو بطيب اللحم.

فالضابط أن ما كان أكثر نفعًا كان أفضل، سواء قلّ أو كثر، واحْتُجّ به لمالك في أن عتق الرقبة الكافرة إذا كانت أغلى ثمنًا من المسلمة أفضل، وخالفه أصبغ وغيره، وقالوا: المراد بقوله: "أغلى ثمنًا" من المسلمين.

ويؤيّد ما قالوه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعًا: "أيما رجل أعتق امرءًا مسلمًا، استنقذ الله بكلّ عضو منه عضوًا منه من النار"، متّفقٌ عليه (٢).

قَالَ أبو ذرّ - رضي الله عنه - (قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ أفعَلْ؟) أي لم أقدر عليه، ولا تيسّر لي؛ لأن المعلوم من أحوالهم أنهم لا يمتنعون من فعل مثل هذا إلا إذا تعذّر عليهم (٣).


(١) "شرح النوويّ" ٢/ ٧٩.
(٢) "الفتح" ٥/ ١٧٧.
(٣) "المفهم" ١/ ٢٧٧.