لأن ابن عمر قد قال:"نسيت أن أسأله كم صلى" قال: وإنما دخل الوهم عليه من ذكر الركعتين بعد، فهو كلام مردود، والمغلِّط هو الغالط، فإنه ذكر الركعتين قبل، وبعد، فلم يَهِم من موضع إلى موضع، ولم ينفرد يحيى بن سعيد بذلك حتى يغلط، فقد تابعه أبو نعيم، عند البخاريّ، والنسائي، وأبو عاصم عند ابن خزيمة، وعمر بن علي عند الإسماعيليّ، وعبد الله بن نمير عند أحمد، كلهم عن سيف، ولم ينفرد به سيف أيضًا، فقد تابعه عليه خُصيف، عن مجاهد، عند أحمد، ولم ينفرد به مجاهد عن ابن عمر، فقد تابعه عليه ابن أبي مليكة عند أحمد، والنسائي، وعمرو بن دينار، عند أحمد أيضًا باختصار، ومن حديث عثمان بن أبي طلحة، عند أحمد، والطبراني بإسناد قويّ، ومن حديث أبي هريرة عند البزار، ومن حديث عبد الرحمن بن صفوان، قال:"فلما خرج سألت من كان معه؟ فقالوا: صلى ركعتين عند السارية الوسطى"، أخرجه الطبراني بإسناد صحيح، ومن حديث شيبة بن عثمان، قال:"لقد صلى ركعتين عند العمودين"، أخرجه الطبراني باسناد جيد.
فالعجب من الإقدام على تغليط جبل من جبال الحفظ بقول من خفي عليه وجه الجمع بين الحديثين، فقال بغير علم، ولو سكت لسلِم. انتهى كلام الحافظ -رحمه الله- (١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي ذكره الحافظ في وجه الجمع بين الحديثين أقرب مما تقدم، وحاصله أن ابن عمر -رضي الله عنهما- فَهِم من إشارة بلال -رضي الله عنه- أنه صلى ركعتين، ثم ندم على عدم تثبته بالسؤال اللفظي عن عدد الركعات، فبهذا تجتمع الروايتان، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
وبالسند المتّصل إلى الإمام مسلم بن الحجاج -رحمه الله- المذكور أولَ الكتاب قال: