للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: قوله: "يُعَرِّضُ بِرَجُلٍ" يعني به ابن عباس - رضي الله عنهما -، وكان إذ ذاك قد عَمِي، وكان هذا من عبد الله بن الزبير - رضي الله عنهما - زمن إمارته، وإنما قَذَعَه ابنُ الزبير بهذا القول؛ لظهور الناسخ لنكاح المتعة، وشهرة الأحاديث في ذلك، فكأنَّه نسبه إلى التفريط، وكان عبد الله بن عبَّاس - رضي الله عنهما - في آخر عمره قَلَّ ما يُصغي لمن يحدّث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما تقدّم في أوائل كتاب مسلم من قوله: "فلما ركب الناس الصعب والذلول لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف"، وكان قد عَرَفَ الإباحة، فاقتصر عليها، ولم يُصْغِ إلى غيرها، كما قال: "لقد كانت تُفعل على عهد إمام المتقين - صلى الله عليه وسلم -".

وقال القرطبيّ أيضًا: كِنَايَتُهم عن ابن عباس في هذه المسألة بـ "رجل" سترٌ منهم له؛ لأجل هذه الفتيا التي صدرت عنه ما كانت تليق بعلمه، ولا بمنصبه في الفضل والدين، وإنكار عليّ، وابن الزبير، وغيرهما - رضي الله عنهم -، وإغلاظهم عليه، ولا مُنْكِرَ عليهم، يدلُّ على أن تحريم ذلك كان عندهم معلومًا. انتهى (١).

(فَنَادَاهُ)؛ أي: نادى ذلك الرجل المعرَّض به، وهو ابن عبّاس - رضي الله عنهما - عبدَ الله بن الزبير (فَقَالَ: إِنَّكَ لَجِلْفٌ جَافٍ) قال النوويّ - رحمه الله -: الْجِلْف بكسر الجيم، قال ابن السِّكِّيت وغيره: الجلف: هو الجافي، وعلى هذا قيل: إنما جمع بينهما توكيدًا؛ لاختلاف اللفظ، والجافي: هو الغليظ الطبع، القليل الفهم، والعلم، والأدب؛ لبُعده عن أهل ذلك. انتهى (٢).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: و"الجِلْفُ"، و"الجافي" هما بمعنى واحد، قاله ابن السكيت وغيره، وكرَّرَهما لفظًا؛ لاختلافهما على عادة العرب في ذلك، وعليه حَمَلوا قوله تعالى: {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: ٨٦] وقوله تعالى: {حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} [يوسف: ٨٥]، وأصل الْجِلْف: الشاة المسلوخة بغير رأس، ولا قوائم، قاله القُتبيّ والهرويّ. انتهى (٣).

(فَلَعَمْرِي) اللام لام القسم، و"عَمْري" بفتح العين المهملة، وسكون الميم


(١) "المفهم" ٤/ ٩٨ - ٩٩.
(٢) "شرح النوويّ" ٩/ ١٨٨.
(٣) "المفهم" ٤/ ٩٩.