للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وأجابوا عن قصّة المرأة باحتمال أنه كان يحصل لها البرء بغير الكحل؛ كالتضميد بالصبر ونحوه.

وقد أخرج ابن أبي شيبة عن صفيّة بنت أبي عبيد أنَّها أحدّت على ابن عمر، فلم تكتحل حتى كادت عيناها تزيغان، فكانت تقطر فيهما الصبر.

ومنهم من تأول النهي على كحل مخصوص، وهو ما يقتضي التزيّن به؛ لأن محض التداوي قد يحصل بما لا زينة فيه، فلم ينحصر فيما فيه زينة.

وقالت طائفة من العلماء: يجوز ذلك، ولو كان فيه طيب، وحملوا النهي على التنزيه؛ جمعًا بين الأدلّة.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: القول بالمنع مطلقًا هو الصواب؛ لقوة أدلته، والله تعالى أعلم.

(ثمَّ قَالَ) - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ("إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ) ووقع في "البخاريّ: "أربعةَ أشهر وعشرًا" بالنصب، قال في "الفتح": كذا في الأصل بالنصب على حكاية لفظ القرآن، ولبعضهم بالرفع، وهو أوضح.

وقال ابن دقيق العيد: فيه إشارة إلى تقليل المدّة بالنسبة لما كان قبل ذلك، وتهوين الصبر عليها، ولهذا قال بعده.

(وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ") وفي التقييد بالجاهليّة إشارة إلى أن الحكم في الإسلام صار بخلافه، وهو كذلك بالنسبة لما وصف من الصنيع، لكن التقدير بالحول استمرّ في الإسلام بنصّ قوله تعالى: {وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: ٢٤٠]، ثم نُسخت بالآية التي قبلُ، وهي: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤].

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "إنما هي أربعة أشهر وعشر، وقد كانت إحداكنّ في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول" معناه: لا تستكثرن العدّة، ومنع الاكتحال فيها، فإنها مدة قليلة، وقد خُفِّفت عنكنّ، وصارت أربعة أشهر وعشرًا، بعد أن كانت سنة، وفي هذا تصريح بنسخ الاعتداد سنةً المذكورِ في سورة البقرة في الآية الثانية.

وأما رميها بالبعرة على رأس الحول، فقد فَسَّره في الحديث، قال بعض العلماء: معناه: أنَّها رمت بالعدّة، وخرجت منها؛ كانفصالها من هذه البعرة،