للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ورميها بها، وقال بعضهم: هو إشارة إلى أن الذي فعلته، وصبرت عليه، من الاعتداد سنة، ولبسها شرّ ثيابها، ولزومها بيتًا صغيرًا هَيِّن بالنسبة إلى حقّ الزوج، وما يستحقه من المراعاة، كما يهون الرمي بالبعرة. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "وقد كانت إحداكنّ إلخ" هذا منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إخبارٌ عن حالة المتوفَّى عنهنّ أزواجهنّ قبل ورود الشرع.

وحاصله أنهنّ كنّ يُقمن في بيوتهنّ حولًا ملازمات لحالة الشَّعَث، والْبَذَاذة، والتَّفَل، ووحشة المسكن، وفي شرار الثياب، والأحلاس إلى أن ينقضي الحول، وعند ذلك تخرج، فترمي ببعرة، مشعرةً بأن أمر العدّة المذكورة، وإن كان شديدًا، قد هان عليها في حقّ من مات عنها، كرمي البعرة.

وقيل: إن معنى ذلك أنَّها رمت بالعدّة وراء ظهرها، كما رمت بالبعرة، فلما جاء الإسلام أمرهنّ الله تعالى بملازمة البيوت حولًا، وقد دلّ عليه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} الآية [البقرة: ٢٤٠]، وأشهر قول المفسّرين فيها، وأحسنه أن المتوفَّى عنها زوجها كانت تجلس في بيت المتوفّى حولًا، ويُنفَق عليها من ماله ما لَمْ تخرج من المنزل، فإن خرجت لَمْ يكن على الورثة جُناح في قطع النفقة عنها، ثم نُسخ الحول بالأربعة الأشهر والعشر، ونُسخت النفقة بالربع، أو الثمن، قاله ابن عبّاس، وقتادة، والضحاك، وعطاء، وغيرهم، وفي هذه الآية مباحث كثيرةٌ لذكرها موضع آخر.

قال القاضي عياض: والإجماع منعقد على أن الحول منسوخٌ، وأن عدّتها أربعة أشهر وعشر، يعني أنَّها منسوخة بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} الآية [البقرة: ٢٣٤]. انتهى (٢).

(قَالَ حُمَيْدٌ) هو ابن نافع، راوي الحديث، وهو موصول بالإسناد المبدوء به (فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ) بنت أبي سلمة - رضي الله عنها - (وَمَا تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ؟) أي: بيّني لي المراد بهذا الكلام الذي خوطبت به هذه المرأة (فَقَالَتْ زينَبُ) - رضي الله عنها -


(١) "شرح النوويّ" ١٠/ ١١٤.
(٢) "المفهم" ٤/ ٢٨٦ - ٢٨٧.