للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

"أعظم الناس جُرْمًا من سأل عن شيء لم يُحَرَّم، فحُرِّم من أجل مسألته".

وقال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: المراد كراهة المسائل التي لا يُحتاج إليها، لا سيما ما كان فيه هَتْك ستر مسلم، أو إشاعة فاحشة، أو شناعة عليه، وليس المراد المسائل المحتاج إليها إذا وقعت، فقد كان المسلمون يسألون عن النوازل، فيجيبهم - صلى الله عليه وسلم - بغير كراهة، فلما كان في سؤال عاصم شناعة، ويترتب عليه تسليط اليهود والمنافقين على أعراض المسلمين، كره مسألته، وربما كان في المسألة تضييق، وكان - صلى الله عليه وسلم - يحب التيسير على أمته، وشواهد ذلك في الأحاديث كثيرة، وفي حديث جابر: "ما نزلت آية اللعان إلا لكثرة السؤال"، أخرجه الخطيب في "المبهمات"، من طريق مُجالد، عن عامر، عنه (١).

(فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ إِلَى أَهْلِه، جَاءَهُ عُويمِرٌ، فَقَالَ: يَا عَاصِمُ مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ عَاصِمٌ لِعُويمِرٍ: لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ) وقوله: (قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الْمَسْأَلَةَ الَّتي سَأَلْتُهُ عَنْهَا) جملة تعليليّة لكونه لمَ يأته بخير (قَالَ عُويمِرٌ: وَاللهِ لَا أَنْتَهِي) أي: لا أرجع عن السؤال، ولا أتركه، ولو نُهيت عنه، زاد ابن أبي ذئب في روايته عن ابن شهاب، في هذا الحديث كما عند البخاريّ في "الاعتصام": "فأنزل الله القرآن خلف عاصم"؛ أي: بعد أن رجع من عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفي رواية ابن جريج: "فانزل الله في شأنه ما ذُكر في القرآن من أمر الملاعنة"، وفي رواية إبراهيم بن سعد: "فأتاه، فوجده قد أنزل الله عليه".

(حَتَّى أَسْأَلَهُ) - صلى الله عليه وسلم - (عَنْهَا) أي: عن هذه المسألة (فَأَقْبَلَ عُويمِرٌ حَتَّى أَتَى رَسُولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -) بالنصب على المفعوليّة (وَسَطَ النَّاسِ) بفتح السين، وبسكونها، قاله في "الفتح" (٢).

وقال المجد - رَحِمَهُ اللهُ -: وَسَطُ الشيء مُحَرَّكةً: ما بين طرفيه، كأوسطه، فإذا سُكّنت كانت ظرفًا، أو هما فيما هو مُصْمَتٌ، كالْحَلْقة، فإذا كانت أجزاؤه متباينةً فبالإسكان فقط، أو كلُّ موضع صَلَحَ فيه "بين" فهو بالتسكين، وإلا فبالتحريك. انتهى (٣).


(١) "الفتح" ١٢/ ١٧٣.
(٢) "الفتح" ١٢/ ١٧٣ - ١٧٤.
(٣) "القاموس المحيط" ٢/ ٣٩١.