هريرة أنه قال لهم لَمّا أخبروه بقصته:"قُمْ يا بلال، فأَذِّن: إنه لا يدخل الجَنَّة إلَّا مؤمن"، ولهذا جنح ابن التين إلى التعدد.
ويمكن الجمع بأنه لا منافاة في المغايرة الأخيرة، وأما الأُولى فيحتمل أن يكون نَحَرَ نفسه بأسهمه، فلم تُزْهَق روحه، وإن كان قد أشرف على القتل، فاتكأ حينئذ على سيفه استعجالًا للموت.
لكن جزم ابن الجوزيّ في "مشكله" بأن القصة التي حكاها سهل بن سعد وقعت بأحد، قال: واسم الرجل قُزْمَان الظَّفَريّ، وكان قد تَخَلَّف عن المسلمين يوم أحد، فَعَيَّره النساء، فخرج حتى صار في الصف الأول، فكان أوَّل مَن رَمَى بسهم، ثم صار إلى السيف، ففعل العجائب، فلما انكشف المسلمون كَسَرَ جَفْنَ سيفه، وجَعَلَ يقول: الموت أحسن من الفرار، فَمَرَّ به قتادة بن النعمان، فقال له هنيئًا لك بالشهادة، قال: والله إني ما قاتلت على دين، وإنما قاتلت على حَسَب قومي، ثم أقلقته الجراحة، فقتل نفسه.
قال الحافظ: وهذا الذي نقله أخذه من مغازي الواقديّ، وهو لا يُحْتَجُّ به إذا انفرد، فكيف إذا خالف؟.
نعم، أخرج أبو يعلى من طريق سعيد بن عبد الرَّحمن القاضي، عن أبي حازم حديث الباب، وأوَّله أنه قيل لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد: ما رأينا مثل ما أَبْلَى فلان، لقد فَرَّ الناسُ، وما فَرَّ، وما ترك للمشركين شاذّةً، ولا فاذَّةً … الحديث بطوله، على نحو ما في "الصحيح"، وليس فيه تسميته، وسعيد مُختَلف فيه، وما أظن روايته خَفِيت على البخاريّ، وأظنه لَمْ يَلتَفِت إليها؛ لأن في بعض طرقه عن أبي حازم: غزونا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وظاهره يقتضي أنَّها غير أحد؛ لأن سَهْلًا ما كان حينئذ ممن يُطلِق على نفسه ذلك؛ لصغره؛ لأن الصحيح أن مَوْلِده قبل الهجرة بخمس سنين، فيكون في أحد ابن عشرة، أو إحدى عشرة، على أنه قد حَفِظَ أشياء من أمر أُحُد، مثل غَسْل فاطمة - رضي الله عنها - جراحة النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا يلزم من ذلك أن يقول: غزونا، إلَّا أن يُحْمَل على المجاز، كما سيأتي لأبي هريرة، لكن يدفعه ما سيأتي من رواية الكشميهني قريبًا (١).