للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال في "الفتح": قوله: "على أن يتوِّجوه فيعصبوه بالعصابة": يعني: يُرَئِّسوه عليهم، ويسَوِّدوه، وسُمِّي الرئيس مُعَصَّبًا؛ لِمَا يُعَصَّب برأسه من الأمور، أو لأنهم يُعَصِّبون رؤوسهم بعِصابة، لا تنبغي لغيرهم، يمتازون بها، قال: ووقع في رواية بلفظ: "فيعصبونه" بنون الرفع، والتقدير: فهم يعصبونه، أو فإذا هم يعصبونه، وعند ابن إسحاق: "لقد جاءنا الله بك، وإنا لننظم له الْخَرَز لنتوجه"، فهذا تفسير المراد، وهو أَولى مما تقدم. انتهى (١).

(فَلَمَّا رَدَّ اللهُ ذَلِكَ)؛ أي: التدبير الذي دبّره لابن أُبيّ، (بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَهُ، شَرِقَ بِذَلِكَ) - بفتح المعجمة، وكسر الراء -؛ أي: غُصّ به، وهو كناية عن الْحَسَد، يقال: غُصَّ بالطعام، وشُجِي بالعظم، وشَرِقَ بالماء: إذا اعتَرَض شيء من ذلك في الحلق، فمنعه الإساغة، قاله في "الفتح".

وقال في "اللسان": والشَّرَقُ بالماء والريق، ونحوهما؛ كالْغَصَص بالطعام، وشَرِقَ شَرَقًا، فهو شَرِق، قال عديّ بن زيد [من الرمل]:

لَوْ بِغَيْرِ الْمَاءِ حَلْقِي شَرِقُ … كُنْتُ كَالْغَصَّانِ بِالْمَاءِ اعْتِصَارِي (٢)

(فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ، فَعَفَا عَنْهُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -) امتثالًا لأمر الله تعالى له بذلك، حيث قال الله تعالى: {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة: ١٣].

[تنبيه]: زاد في رواية البخاريّ في آخر هذا الحديث ما نصّه: وكان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه يعفون عن المشركين، وأهل الكتاب، كما أمرهم الله، ويصبرون على الأذى، قال الله - عز وجل -: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا} الآية [آل عمران: ١٨٦]، وقال الله: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} إلي آخر الآية [البقرة: ١٠٩]، وكان النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يتأول العفو ما أمره الله به، حتى أذن الله فيهم، فلما غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بدرًا، فقتل الله به صناديد كفار قريش، قال ابن أُبَيّ ابنُ سَلُول، ومن معه من المشركين، وعَبَدة


(١) "الفتح" ١٠/ ٢٠، كتاب "التفسير" رقم (٤٥٦٦).
(٢) "لسان العرب" ١٠/ ١٧٧.