للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال النوويّ في "الأذكار" بعد أن قَرّر أنه لا تجوز تكنية الكافر إلا بشرطين ذكرهما: وقد تكرر في الحديث ذكر أبي طالب، واسمه عبد مناف، وقال الله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ}، ثم ذكر حديث الباب وقوله فيه: "أبو حباب"، قال: ومحلّ ذلك إذا وُجد فيه الشرط، وهو أن لا يُعْرَف إلا بكنيته، أو خيف من ذكر اسمه فتنة، ثم قال: وقد كتب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى هرقل، فسمّاه باسمه، ولم يَكنه، ولا لَقَّبه بلقبه، وهو قيصر، وقد أُمرنا بالإغلاظ عليهم، فلا نَكنيهم، ولا نَلِين لهم قولًا، ولا نُظهر لهم وُدًّا.

قال الحافظ: وقد تُعُقِّب كلامه بأنه لا حصر فيما ذَكَر، بل قصّة عبد الله بن أُبَيّ في ذكره بكنيته دون اسمه، وهو باسمه أشهر، ليس لخوف الفتنة، فإن الذي ذُكِر بذلك عنده كان قويًّا في الإسلام، فلا يُخشى معه أن لو ذُكر عبد الله باسمه أن يَجُرّ بذلك فتنة، وإنما هو محمول على التألُف، كما جزم به ابن بطال، فقال: فيه جواز تكنية المشركين على وجه التألُّف، إما رجاءَ إسلامهم، أو لتحصيل منفعة منهم.

وأما تكنية أبي طالب فالظاهر أنه من القبيل الأول، وهو اشتهاره بكنيته، دون اسمه.

وأما تكنية أبي لهب، فقد أشار النوويّ في "شرحه" إلى احتمالٍ رابعٍ، وهو اجتناب نسبته إلى عبودية الصنم؛ لأنه كان اسمه عبد العزى، وهذا سَبَق إليه ثعلبٌ، ونقله عنه ابن بطال، وقال غيره: إنما ذُكر بكنيته دون اسمه؛ للإشارة إلى أنه سيصلى نارًا ذات لهب، قيل: وإن تكنيته بذلك من جهة التجنيس؛ لأن ذلك من جملة البلاغة، أو للمجازاة، أشير إلى أن الذي يفخر به في الدنيا من الجمال والولد، كان سببًا في خزيه وعقابه.

وحَكَى ابن بطال عن أبي عبد الله بن أبي زمنين، أنه قال: كان اسم أبي لهب: عبد العزى، وكنيته أبو عتبة، وأما أبو لهب، فلَقَبٌ لُقِّب به؛ لأن وجهه كان يتلألأ، ويلتهب جمالًا، قال: فهو لقبٌ، وليس بكنية، وتُعُقِّب بأن ذلك يقوّي الإشكال الأول؛ لأن اللقب إذا لم يكن على وجه الذم للكافر لم يصلح من المسلم.

وأما قول الزمخشريّ: هذه التكنية ليست للإكرام، بل للإهانة؛ إذ هي