إن قلت: إن إثبات الفلاح له في عدم النقص واضح، فكيف يصحّ ذلك في عدم الزيادة؟
قال النوويّ رحمه الله تعالى: قيل: هذا الفلاح راجع إلى قوله: "لا أنقُص" خاصةً، والأظهر أنه عائد إلى المجموع، بمعنى أنه إذا لم يَزِد ولم ينقص كان مُفْلِحًا؛ لأنه أتى بما عليه، ومن أتى بما عليه فهو مُفْلِح، وليس في هذا أنه إذا أتى بزائد لا يكون مفلحًا؛ لأن هذا مما يُعْرَف بالضرورة، فإنه إذا أفلح بالواجب، فلأن يُفلِح بالواجب والمندوب أولى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة):
إن قيل: كيف قال: "لا أزيد على هذا"، وليس في هذا الحديث جميع الواجبات، ولا المنهيّات الشرعية، ولا السنن المندوبات؟
فالجواب: أنه جاء في رواية البخاريّ في آخر هذا الحديث زيادةٌ توضح المقصود، قال:"فأخبره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشرائع الإسلام، فأدبر الرجل، وهو يقول: والله لا أزيد ولا أنقص مما فرض الله تعالى عليّ شيئًا"، فعلى عموم قوله:"بشرائع الإسلام"، وقوله:"مما فَرَض الله عليّ " يزول الإشكال في الفرائض، وأما النوافل فقيل: يحتمل أن هذا كان قبل شرعها، وقيل: يحتمل أنه أراد لا أزيد في الفرض بتغيير صفته، كأنه يقول: لا أصلي الظهر خمسًا، وهذا تأويل ضعيف، ويحتمل أنه أراد أنه لا يصلي النافلة مع أنه لا يُخِلُّ بشيء من الفرائض، وهذا مُفْلِحٌ بلا شكّ، وإن كانت مواظبته على ترك السنن مذمومةً، وتُرَدّ بها الشهادة، إلَّا أنه ليس بعاصٍ، بل هو مُفْلِحٌ ناجٍ (١)، وأما قول ابن بطال: يحتمل أن يكون ذلك قبل ورود فرائض النهي، فتعقبه الحافظ، قائلًا: هذا عجيب منه؛ لأنه جزم بأن السائل ضمام، وأقدم ما قيل فيه أنه وَفَدَ سنة خمس، وقيل: بعد ذلك، وقد كان أكثر المنهيات وَاقِعًا قبل ذلك انتهي، وهو تعقب جيّد. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.