للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ما في الدار أحدٌ؛ أي: لا واحد، ولا اثنان، فصاعدًا، لا مجتمعين، ولا متفرّقين. انتهى (١).

وقوله: (مِنْ هَذ الْأمَّةِ) صفة لـ "أحد"، وأصل الأمّة: الجماعة، وتضاف للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، فيُراد بها أحيانًا أمة الإجابة؛ أي: المسلمون، كحديث: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي" (٢)، وأحيانًا يراد به أمة الدعوة، أي: كلُّ من أُرسل إليهم النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، وهو المراد هنا، فالإشارة إلى أمة الدعوة الموجودين في عهده - صلى الله عليه وسلم -، ومن سيوجد إلى يوم القيامة؛ لعموم دعوته للجميع، كما قال - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: ١٩].

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: "الأمة" في أصل اللغة: الجماعة من الحيوان، قال الله تعالى: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأنعام: ٣٨]، وقال تعالى: {وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ} [القصص: ٢٣]، ثم قد استُعمل في محامل شتّى، والمراد به في هذا الحديث كلّ من أُرسل إليه محمد - صلى الله عليه وسلم -، ولَزِمته حجّته، سواءٌ صدّقه، أو لم يُصدّقه، ولذلك دخل فيه اليهوديّ والنصرانيّ، لكن هذا على مساق حديث مسلم هذا، فإنه قال فيه: "لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة، يهوديّ، ولا نصرانيّ"، بغير واو العطف، فإنه يكون بدلًا من "الأمّة"، وقد رَوَى هذا الحديثَ عبد بن حميد (٣)، وقال: "لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة، ولا يهوديّ، ولا نصرانيّ"، فحينئذ لا يدخل اليهوديّ، ولا النصرانيّ في الأمة المذكورة، والله تعالى أعلم. انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (٤).


(١) "الكاشف" ٢/ ٤٤٨.
(٢) حديث صحيح، أخرجه أحمد في "مسنده" (١٢٧٤٥)، وأبو داود في "سننه" (٤٧٣٩)، والترمذيّ في "جامعه" (٢٣٥٩ و ٢٣٦٠).
(٣) بل هو عند الإمام أحمد رحمه اللهُ في "مسنده" (٢٧٤٢٠)، ولفظه: وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمة، ولا يهوديّ، ولا نصرانيّ، ومات ولم يؤمن بالذي أُرسلت به، إلا كان من أصحاب النار". وهو أيضًا بهذا اللفظ في "مسند أبي عوانة" ١/ ٩٧ رقم (٣٠٧).
(٤) "المفهم" ١/ ٣٦٨.