للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عن إضافة المرء ذلك إلى نفسه؛ كراهيةً لتلك اللفظة، وتشاؤمًا لها، إذا أضافها الإنسان إلى نفسه، والحديث الثاني إنما هو خبر عن حال من لم يذكر الله تعالى في ليله، ولا توضأ، ولا صلى، فأصبح خبيث النفس ذمًّا لفعله، وعيبًا له، ولكل واحد من الخبرين وجه، فلا معنى أن يُجعلا متعارضين؛ لأن من شأن أهل العلم أن لا يجعلوا شيئًا من القرآن، ولا من السنن معارضًا لشيء منها ما وجدوا إلى استعمالها، وتخريج الوجوه لها سبيلًا. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رحمه الله -: ولا يعترض هذا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فأصبح خبيث النفس كسلان"؛ لأنَّ محل النهي أن يضيف المتكلم الخبث إلى نفسه، لا أن يتكلم بالخبيث مطلقًا، فإذا أخبر به عن غير معيَّن جاز، ولا سيما في معرض التحذير والذمّ للكسل، والتثاقل عن الطاعات، كما قد جاء في هذا الحديث، ومن أوضح ما في هذا الباب قوله - صلى الله عليه وسلم - حين سُئل عن العقيقة، فقال: "لا أحبُّ العقوق، ولكن إذا أحبَّ أحدكم أن ينسك عن ولده بشاةٍ فليفعل"، فكَره اسم العقوق.

قال: ومقصود الشرع الإرشاد إلى تعرُّف مواقع الألفاظ، واستعمال الأَولى منها، والأحسن، ما أمكن، من غير إيجاب ذلك، واجتناب المشترَك من الألفاظ، وما يُستكره منها، وما لا تواضع فيه؛ كعبدي، وأمتي، من غير تحريم ذلك، ولا تحريجه. انتهى كلام القرطبيّ - رحمه الله - (٢)، وهو بحث جيّدٌ، والله تعالى أعلم.

وبالسند المتّصل إلى المؤلّف - رحمه الله - أوّل الكتاب قال:

[٥٨٦٥] (. . .) - (وَحَدَّثَنَاهُ أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، بِهَذَا الإِسْنَادِ).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الإسناد تقدّم في الباب الماضي، ورواية أبي معاوية عن الأعمش هذه لم أجد من ساقها، فليُنظر، والله تعالى أعلم.


(١) "التمهيد" لابن عبد البرّ ١٩/ ٤٧.
(٢) "المفهم" ٥/ ٥٥٥.