للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال القرطبيّ في "المفهم": ولا يخفى ما فيه من التكلف والتساهل، فإن تلك الأعداد إنما هي أجزاء النبوة، وأكثر الذي ذكره إنما هي أحوال لغير النبوة؛ لكونه يَعرف المَلَك، أو لا يعرفه، أو يأتيه على صورته، أو على صورة أَدميّ، ثم مع هذا التكلف لَمْ يبلغ عدد ما ذكر عشرين فضلًا عن سبعين.

قال الحافظ: والذي نحاه القاضي سبقه إليه الْحَلِيميّ، فقرأت في "مختصره" للشيخ علاء الدين القونويّ بخطه ما نصه: ثم إن الأنبياء يختصون بآيات، يؤيدون بها؛ ليتميزوا بها عمن ليس مثلهم، كما تميزوا بالعلم الذي أوتوه، فيكون لهم الخصوص من وجهين، فما هو في حيز التعليم هو النبوة، وما هو في حيز التأبيد، هو حجة النبوة، قال: وقد قصد الحليميّ في هذا الموضع بيان كون الرؤيا الصالحة جزءًا من ستة وأربعين جزءًا من النبوة، فذكر وجوهًا من الخصائص العلمية للأنبياء، تكلَّف في بعضها، حتى أنهاها إلى العدد المذكور، فتكون الرؤيا واحدًا من تلك الوجوه:

فأعلاها: تكليم الله بغير واسطة.

ثانيها: الإلهام بلا كلام، بل يجد علم شيء في نفسه من غير تقدم ما يوصل إليه بحسّ، أو استدلال.

ثالثها: الوحي على لسان ملك يراه فيكلمه.

رابعها: نفث المَلَك في رُوعه، وهو الوحي الذي يُخص به القلب دون السمع، قال: وقد ينفث المَلَك في رُوع بعض أهل الصلاح، لكن بنحو الأطماع في الظفر بالعدوّ، والترغيب في الشيء، والترهيب من الشيء، فيزول عنه بذلك وسوسة الشيطان بحضور الملَك، لا بنحو نفي علم الإحكام، والوعد، والوعيد، فإنه من خصائص النبوة.

خامسها: إكمال عقله، فلا يَعرض له فيه عارض أصلًا.

سادسها: قوّة حفظه، حتى يسمع السورة الطويلة، فيحفظها من مرّة، ولا ينسى منها حرفًا.

سابعها: عصمته من الخطأ في اجتهاده.

ثامنها: ذكاء فهمه، حتى يتسع لضروب من الاستنباط.

تاسعها: ذكاء بصره، حتى يكاد يُبصر الشيء من أقصى الأرض.