للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وكذلك تعيين المكان الذي وقع ذلك فيه؛ لأن ظاهر رواية الحسن أن ذلك كان في سفر، بخلاف رواية قتادة، فإنها ظاهرة في أنها كانت بالمدينة، وسيأتي في غير حديث أنس أنها كانت في مواطن أُخَر.

قال القاضي عياض -رَحِمَهُ اللهُ-: هذه القصة رواها الثقات من العدد الكثير، عن الجمّ الغَفِير، عن الكافّة، متصلةً بالصحابة -رضي الله عنهم-، وكان ذلك في مواطن اجتماع الكثير منهم في المحافل، ومجمع العساكر، ولم يَرِد عن أحد منهم إنكارٌ على راوي ذلك، فهذا النوع ملحق بالقطعيّ من معجزاته -صلى الله عليه وسلم-.

وقال القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: قضية نبع الماء من بين أصابعه -صلى الله عليه وسلم- تكررت منه في عدّة مواطن في مشاهد عظيمة، ووردت من طرق كثيرة يفيد مجموعها العلم القطعيّ المستفاد من التواتر المعنويّ.

قال الحافظ: أخذ كلام عياض، وتصرف فيه، قال: ولم يُسمع بمثل هذه المعجزة عن غير نبينا -صلى الله عليه وسلم-، وحديث نبع الماء جاء من رواية أنس عند الشيخين، وأحمد، وغيرهم، من خمسة طرق، وعن جابر بن عبد الله من أربعة طرق، وعن ابن مسعود عند البخاريّ، والترمذيّ، وعن ابن عباس عند أحمد، والطبرانيّ، من طريقين، وعن ابن أبي ليلى والد عبد الرحمن، عند الطبرانيّ، فعدد هؤلاء الصحابة ليس كما يُفهم من إطلاقهما.

وأما تكثير الماء بأن يلمسه بيده، أو يتفل فيه، أو يأمر بوضع شيء فيه، كسهم من كنانته، فجاء في حديث عمران بن حصين، في "الصحيحين"، وعن البراء بن عازب، عند البخاريّ، وأحمد، من طريقين، وعن أبي قتادة عند مسلم، وعن أنس عند البيهقيّ في "الدلائل"، وعن زياد بن الحارث الصُّدَائيّ عنده، وعن حَبّان بن بُحّ -بضم الموحدة، وتشديد المهملة- الصُّدائيّ أيضًا، فإذا ضُمَّ هذا إلى هذا بلغ الكثرة المذكورة، أو قاربها.

وأما من رواها من أهل القرن الثاني فهم أكثر عددًا، وإن كان شطر طرقه أفرادًا.

وفي الجملة يستفاد منها الردّ على ابن بطال، حيث قال: هذا الحديث شهده جماعة كثيرة من الصحابة، إلا أنه لم يُرْوَ إلا من طريق أنس، وذلك لطول عمره، وتطلّب الناس العلو في السند. انتهى، وهو ينادي عليه بقلّة