للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الاطلاع والاستحضار لأحاديث الكتاب الذي شرحه، وبالله التوفيق.

قال القرطبي: ولم يسمع بمثل هذه المعجزة عن غير نبينا -صلى الله عليه وسلم- حيث نبع الماء من بين عظمه، وعصبه، ولحمه، ودمه.

وقد نقل ابن عبد البرّ عن المزنيّ أنه قال: نَبْع الماء من بين أصابعه -صلى الله عليه وسلم- أبلغ في المعجزة من نبع الماء من الحجر، حيث ضربه موسى بالعصا، فتفجرت منه المياه؛ لأن خروج الماء من الحجارة معهود، بخلاف خروج الماء من بين اللحم والدم. انتهى، وظاهر كلامه أن الماء نبع من نفس اللحم الكائن في الأصابع، ويؤيده قوله في حديث جابر الآتي: "فرأيت الماء يخرج من بين أصابعه"، وأوضح منه ما وقع في حديث ابن عباس عند الطبرانيّ: "فجاؤوا بشَنّ، فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يده عليه، ثم فرّق أصابعه، فنبع الماء من أصابع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل عصا موسى، فإن الماء تفجّر من نفس العصا، فتمسّكه به يقتضي أن الماء تفجر من بين أصابعه.

ويَحْتَمِل أن يكون المراد: أن الماء كان ينبع من بين أصابعه بالنسبة إلى رؤية الرائي، وهو في نفس الأمر للبركة الحاصلة فيه يفور ويكثر، وكفّه -صلى الله عليه وسلم- في الماء فرآه الرائي نابعًا من بين أصابعه، والأول أبلغ في المعجزة، وليس في الأخبار ما يردّه، وهو أَولى. انتهى كلام الحافظ -رَحِمَهُ اللهُ-، وهو بحث نفيس جدًّا، والله تعالى أعلم.

وبالسند المتّصل إلى المؤلّف -رَحِمَهُ اللهُ- أوّل الكتاب قال:

[٥٩٢٨] (. . .) - (حَدَّثَنِي أَبُو غَسَّانَ الْمِسْمَعِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاذٌ -يَعْنِي: ابْنَ هِشَامٍ- حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ قَتَادَةَ، حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، أَنَّ نَبِيَّ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَصْحَابَهُ بِالزَّوْرَاءِ -قَالَ: وَالزَّوْرَاءُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ السُّوقِ، وَالْمَسْجِدِ، فِيمَا ثَمَّهْ- دَعَا بِقَدَحٍ، فِيهِ مَاءٌ، فَوَضَعَ كَفَّهُ فِيهِ، فَجَعَلَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ (١)، فَتَوَضَّأَ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ، قَالَ: قُلْتُ: كَمْ كَانُوا يَا أَبَا حَمْزَةَ؟ قَالَ: كَانُوا زُهَاءَ الثَّلَاِثمِائَةِ) (٢).


(١) وفي نسخة: "ينبع بين أصابعه".
(٢) وفي نسخة: "زهاء ثلاثمائة".