جابر: فوالذي أذهب بصري، لقد رأيت الماء يخرج من بين أصابع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى توضؤوا أجمعون، قال: حسبته قال: "كنا مائتين وزيادة".
وجاء عن جابر -رضي الله عنه- قصة أخرى أخرجها مسلم من وجه آخر عنه في أواخر الكتاب في حديثه الطويل وفيه: أن الماء الذي أحضروه له كان قطرة في إناء من جلد، لو أفرغها لشربها يابس الإناء، وأنه لم يجد في الركب قطرة ماء غيرها، قال: فأخذه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فتكلم، وغَمَز بيده، ثم قال:"ناد بجفنة الركب"، فجيء بها، فقال بيده في الجفنة، فبسطها، ثم فرّق أصابعه، ووضع تلك القطرة في قعر الجفنة، فقال: خذ يا جابر، فصُبّ عليّ، وقل: باسم الله، ففعلت، قال: فرأيت الماء يفور من بين أصابعه، ثم فارت الجفنة، ودارت حتى امتلأت، فأَتَى الناسُ، فاستقوا، حتى رَوُوا، فرفع يده من الجفنة، وهي ملأى"، وهذه القصة أبلغ من جميع ما تقدم؛ لاشتمالها على قلة الماء، وعلى كثرة من استقى منه، قاله في "الفتح" (١).
(قَالَ: وَالزَّوْرَاءُ بِالْمَدِينَةِ عِنْدَ السُّوقِ، وَالْمَسْجِدِ، فِيمَا ثَمَّهْ) قال النوويّ: هكذا هو في جميع النسخ "ثَمّه" قال أهل اللغة: "ثَمّ" بفتح الثاء، و"ثَمّه" بفتح الهاء، بمعنى هناك، وهنا، فـ "ثمّ" للبعيد، و"ثَمّه" للقريب. انتهى.
والمعنى: أن الزوراء مكان بالمدينة عند سوقها، وهو قريب من المسجد النبويّ، فقوله: "فيما ثَمّ"؛ أي: في المكان القريب منه، والله تعالى أعلم.
(دَعَا)؛ أي: طلب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (بِقَدَحٍ) بفتحتين: إناء معروف، جَمْعه أقداح، مثلُ سبب وأسباب. (فِيهِ مَاءٌ، فَوَضَعَ)(كَفَّهُ فِيهِ)؛ أي: في ذلك القدَح، (فَجَعَلَ)؛ أي: أخذ، وبدأ الماء (يَنْبُعُ) بتثليث الموحّدة، كما مرّ قريبًا. (مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ)، وفي بعض النُّسخ: "بين أصابعه"، (فَتَوَضَّأَ جَمِيعُ أَصْحَابِهِ، قَالَ) قتادة (قُلْتُ: كَمْ كَانُوا يَا أَبَا حَمْزَةَ؟) كنية أنس -رضي الله عنه- (قَالَ: كَانُوا زُهَاءَ الثَّلَاِثِمِائَةِ)، وفي نسخة: "زُهاء ثلاثمائة"، وهو بضم الزاي، وبالمدّ؛ أي: قدر ثلاثمائة، مأخوذة من زَهَوت الشيء: إذا حصرته. ووقع عند الإسماعيليّ من