للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أعداؤهم، وتوسّعوا فيها، وأوقدوا نيرانها، فإنهم بَشَر قد يصدر منهم ما يصدر من البشر، ولكنهم مجتهدون مأجورون، فالواجب أن لا نتعرّض لمثل ذلك، ولا نفتح لأعدائهم باب الشرّ.

وبالجملة فالمسور - رضي الله عنه - كسائر الصحابة - رضي الله عنهم - لا يُذكر إلَّا بخير ما فعله، ونكفّ عن غير ذلك إن كان هناك شيء، فلا يليق بنا أن نقول في حقّ صحابيّ: أتعجّب من فلان، كيف فعل هذا؟، وكيف ترك هذا؟ فإن هذا معاونة للأعداء، وتقوية لاعتقادهم الباطل في حقّ كثير من الصحابة - رضي الله عنهم -، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

(إِنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ عَلَى فَاطِمَةَ) اسمها جويرية، ويقال: العوراء، ويقال: جميلة، وكان عليّ - رضي الله عنه - قد أخذ بعموم الجواز، فلما أنكر النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أعرض عليّ عن الْخِطْبة، فيقال: تزوجها عَتّاب بن أَسِيد، وإنما خَطَب النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليُشيع الحكم المذكور بين الناس، ويأخذوا به، إما على سبيل الإيجاب، وإما على سبيل الأولوية.

قال الحافظ: وغَفَل الشريف المرتضى عن هذه النكتة، فزعم أن هذا الحديث موضوع؛ لأنه من رواية المسور، وكان فيه انحراف عن عليّ، وجاء من رواية ابن الزبير، وهو أشدّ في ذلك.

ورُدّ كلامه بإطباق أصحاب الصحيح على تخريجه. انتهى (١).

وقال في "العمدة": إنما ذكر المسور قصة خِطبة عليّ بنت أبي جهل؛ ليَعْلَم عليّ بن الحسين زين العابدين بمحبته في فاطمة، وفي نسلها؛ لِمَا سمع من رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. انتهى (٢).

(فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) وقوله: (وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ) جملة في محل نصب على الحال، (فِي ذَلِكَ)؛ أي: في شأن خِطبة علي بنت أبي جهل، (عَلَى مِنْبَرِهِ هَذَا) يريد المنبر النبويّ في المسجد النبويّ، وقوله: (وَأَنَا يَوْمَئِذٍ مُحْتَلِمٌ) جملة حاليّة أيضًا، و "المحتلم": بكسر اللام اسم فاعل من حَلَم، يقال: حَلَم


(١) "الفتح" ٨/ ٤٤٣، كتاب "الفضائل" رقم (٣٧٢٩).
(٢) "عمدة القاري" ١٥/ ٣٤.