للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قدّامه وظهرًا خلفه، وأنهم أحفّوا به من جانبيه، فهذا أصله، ثم كثُر، حتى استُعمل في الإقامة بين قوم مطلقًا، ولهذا زعم بعضهم أن لفظة "ظهراني" في هذا الموضع زائدة (١).

وقوله: (إِنَّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَيْسَ بِأَعْوَرَ … إلخ) معناه: أن الله تعالى مُنَزَّه عن سِمَات الحَدَث، وعن جميع النقائص، وأن الدجّال مخلوق من خلق الله تعالى، ناقص الصورة، فينبغي لكم أن تعلموا هذا، وتُعَلِّموه الناس؛ لئلا يَغْتَرَّ بالدجال مَن يَرَى تخييلاته وما معه من الفتنة (٢).

وقوله: (أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى) قال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ: هو عند النحويين من الكوفيين على ظاهره، من الإضافة، وعند البصريين يُقَدَّر فيه محذوف كما يُقَدَّر في نظائره، فالتقدير: أعور عين صفحة وجهه اليمنى. انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: إنما منع البصريّون من هذه الإضافة؛ لأنه يلزم فيها إضافة الشيء إلى نفسه؛ لأن "اليُمنى" صفة لـ "عين"، والصفة والموصوف كشيء واحد، وفائدة الإضافة تعريف المضاف بالمضاف إليه أو تخصيصه، ولا يتعرّف الشيء ولا يتخصّص بنفسه، وأما ما ظاهره إضافة الموصوف إلى صفته، كـ "حِبّة الحَمقاء"، و"صلاة الأولى"، وكهذا المثال، فيؤول على حذف مضاف إليه موصوف بتلك الصفة، فيقال: حِبة البَقلة الحمقاء، وصلاة الساعة الأولى، وكذا عين الجهة اليمنى، كما مرّ آنفًا، وأجازه الكوفيون دون تقدير، وإلى هذه القاعدة أشار ابن مالك رَحِمَهُ اللهُ في "الخلاصة" حيث قال:

وَلَا يُضَافُ اسْمٌ لِمَا بِهِ اتَّحَدْ … مَعْنًى وَأَوِّلْ مُوهِمًا إِذَا وَرَدْ

وقوله: (كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنبَةٌ طَافِيَةٌ) قال القرطبيّ رَحِمَهُ اللهُ: بغير همز، وعليه أكثر الروايات، وهكذا قال الأخفش، ومعناه: أنها ممتلئة، قد طَفَت وبَرَزَت، وقد رُوي بالهمز؛ أي: قد ذهب ضوؤها، وتقبّضت، ويؤيّد هذه الرواية قوله في أخرى: إنه ممسوح العين، وإنها ليست جحْراء ولا ناتئة، وإنها مطموسة،


(١) "الفتح" ٦/ ٥٦٠ "كتاب الأنبياء" رقم (٣٤٤٧).
(٢) "شرح النوويّ" ٢/ ٢٣٦.