للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الجسم والحد، والمراد هنا المانع من رؤيته، وسُمِّي ذلك المانع نورًا أو نارًا؛ لأنهما يمنعان من الإدراك في العادة؛ لشعاعهما. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: كلام النوويّ هذا فيه إيماء إلى أن الحجاب هنا مجاز، وليس حقيقةً، وسيأتي الردّ عليه في المسألة الرابعة - إن شاء الله تعالى -.

وقال التوربشتيّ: أشار بذلك إلى أن حجابه خلاف الْحُجُب المعهودة، فهو مُحْتَجِبٌ عن الخلق بأنوار عزّه وجلاله، وأشعّة عظمته وكبريائه، وذلك هو الحجاب الذي تُدهَش دونه العقول، وتذهب الأبصار، وتتحيّر البصائر، ولو كُشف ذلك الحجاب، فتجلّى لما وراءه من حقائق الصفات، وعظمة الذات لم يَبقَ مخلوق إلا احترق، ولا مفطور إلا اضمحلّ، وأصل الحجاب الستر الحائل بين الرائي والمرئيّ، وهو هنا راجع إلى منع الأبصار من الإصابة بالرؤية له بما ذكر، فقام ذلك المنع مقام الستر الحائل، فعبّر به عنه (٢).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: "فقام ذلك المنع … إلخ"، هذا أيضًا من نوع ما سبق للنوويّ من دعوى المجاز، وسيأتي الرّدّ عليه.

والحاصل أن الصواب كون الحجاب حقيقة، لا مجاز فيه، فتبصّر، والله تعالى أعلم.

وقوله: (وَفِي رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ: النَّارُ) يعني أن لفظ "النور" إنما وقع في رواية أبي كُريب، وأما شيخه أبو بَكر بن أبي شيبة، فرواه بلفظ: "النار"، ولا تنافي بين الروايتين، قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله ما معناه: إن تردّد الراوي في لفظ "النور"، و"النار" لا اختلاف في المعنى؛ لأن هذه النار التي كلّم الله تعالى بها موسى؛ يقال لها: نار ونور، كما سمَّى الله تعالى نار المصباح نورًا، بخلاف النار المظلمة، كنار جهنّم، فتلك لا تُسمَّى نورًا، فالأقسام ثلاثة: إشراقٌ بلا إحراق، وهو النور المحض، كالقمر، وإحراق بلا إشراق، وهي النار المظلمة، وما هو نار ونور، كالشمس، ونارِ المصابيح التي في الدنيا توصف بالأمرين. انتهى (٣).


(١) المصدر السابق.
(٢) راجع: "الكاشف" ٢/ ٥٥٠.
(٣) "مجموع الفتاوى" ٦/ ٣٨٧.