للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تَعِبَ، فهو حَطِمٌ: إذا تكَسّر، ويتعدّى بالحركة، فيقال: حَطَمته حَطْمًا، من باب ضَرَبَ، فانحطم، وحطّمته بالتشديد مبالغةٌ، قاله الفيّوميّ (١).

وقال النوويّ - رحمه الله -: "الْحَطْمُ": الكسر، والإهلاك، و"الْحُطَمة": اسم من أسماء النار؛ لكونها تَحْطِم ما يُلْقَى فيها (٢).

(فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّار، ثُمَّ يُدْعَى النَّصَارَى، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ ابْنَ الله، فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ، مَا اتَّخَذَ اللهُ مِنْ صَاحِبَةٍ، وَلَا وَلَدٍ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَيَقُولُونَ: عَطِشْنَا يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا، قَالَ: فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ، ألا تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ، كَأنَّهَا سَرَابٌ، يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّار، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلَّا مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ تَعَالَى مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ، أتاهُمْ رَبُّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي أَدْنَى صُور مِنَ الَّتِي رَأَوْهُ فِيهَا) قال النوويّ: معنى "رأوه فيها": عَلِمُوها له، وهي صفته المعلومة للمؤمنين، وهي أنه لا يُشبهُهُ شيء، وقد تقدم الإتيان والصورة. انتهى (٣).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تقدّم أن النوويّ تبعًا للقاضي عياض، وغيره ممن يؤوّلون صفة الإتيان والصورة، وقدّمنا أن هذا مذهب غير صحيح، وأن الحقّ ثبوتهما له - سبحانه وتعالى - كما أثبتها هذا الحديث الصحيح، على ما يليق بجلاله - سبحانه وتعالى -، ولا يلزم من ذلك تشبيه، كما زعمت المعطّلة، والمؤوّلة، فنثبتهما ونعتقد أنهما ثابتان له على ما يليق به إثباتًا بلا تمثيل، وتنزيهًا بلا تعطيل، والله تعالى أعلم.

(قَالَ: فَمَا تَنْتَظِرُونَ؟ تَتْبَعُ كُلُّ أمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ، قَالُوا: يَا رَبَّنَا فَارَقْنَا النَّاسَ فِي الدُّنْيَا، أَفْقَرَ مَا كُنَّا إِلَيْهِمْ، وَلَمْ نُصَاحِبْهُمْ) قال النوويّ - رحمه الله -: معنى قولهم هذا: التضرّع إلى الله تعالى في كشف هذه الشدّة عنهم، وأنهم لَزِمُوا طاعته - سبحانه وتعالى -، وفارقوا في الدنيا الناس الذين زاغوا عن طاعته سبحانه، من قراباتهم وغيرهم، ممن كانوا يَحتاجون في معايشهم، ومصالح دنياهم إلى معاشرتهم؛ للارتفاق بهم، وهذا كما جَرَى للصحابة المهاجرين وغيرهم، ومن


(١) "المصباح المنير" ١/ ١٤١.
(٢) "شرح النوويّ" ٣/ ٢٦.
(٣) "شرح النوويّ" ٣/ ٢٧.