[والثالث]: "استيفاء" بإثبات المثنّاة من تحتُ، وبالفاء بدل الضاد.
[والرابع]: "استقصاء" بمثناة من فوقُ، ثم قاف، ثم صاد مهملة. فالأول موجود في كثير من الأصول ببلادنا، والثاني: هو الموجود في أكثرها، وهو الموجود في "الجمع بين الصحيحين" للحميديّ، والثالث: في بعضها، وهو الموجود في "الجمع بين الصحيحين" لعبد الحقّ الحافظ، والرابع: في بعضها، ولم يذكر القاضي عياض غيره، وادَّعَى اتفاق النُّسَخِ عليه، وادَّعَى أنه تصحيف، وَوَهَمٌ، وفيه تغيير، وأن صوابه ما وقع في كتاب البخاري من رواية ابن بُكير:"بأشدّ مناشدَةً في استقصاء الحقّ - يعني: في الدنيا - من المؤمنين لله يوم القيامة لإخوانهم"، وبه يتم الكلام، ويتوجه، هذا آخر كلام القاضي - رَحِمَهُ اللهُ -.
قال النوويّ: وليس الأمر على ما قاله، بل جميع الروايات التي ذَكَرناها صحيحة، لكل منها مَعنًى حَسَنٌ، وقد جاء في رواية يحيى بن بكير، عن الليث:"فما أنتم بأشدّ مناشدة في الحقّ، قد تبيّن لكم من المؤمنين يومئذ للجبّار تعالى وتقدس، إذا رأوا أنهم قد نَجَوْا في إخوانهم"، وهذه الرواية التي ذكرها الليث، توضح المعنى، فمعنى الرواية الأولى والثانية: إنكم إذا عَرَضَ لكم في الدنيا أمرٌ مُهِمٌّ، والتبس الحال فيه، وسألتم الله تعالى بيانه، وناشدتموه في استيضائه، وبالغتم فيها، لا تكون مناشدة أحدكم مناشدةً بأشدّ من مناشدة المؤمنين لله تعالى في الشفاعة لإخوانهم، وأما الرواية الثالثة والرابعة: فمعناهما أيضًا: ما منكم من أحد يناشد الله تعالى في الدنيا في استيفاء حقّه، أو استقصائه، وتحصيله من خَصمه والْمُعْتَدِي عليه بأشدّ من مناشدة المؤمنين الله تعالى في الشفاعة لإخوانهم يوم القيامة. انتهى كلام النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١)، وهو توجيهٌ نفيسٌ، والله تعالى أعلم.
(يَقُولُونَ) جملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، كأن سائلًا قال: فماذا يقولون في هذه المناشدة؛ فأجاب بأنهم يقولون (رَبَّنَا كَانُوا يَصُومُونَ مَعَنَا، وَيُصَلُّونَ، وَيَحُجُّونَ) ولفظ البخاريّ: "إخواننا الذين كانوا يصلّون معنا، ويصومون معنا، ويعملون معنا"(فَيُقَالُ لَهُمْ) لفظ البخاريّ: "فيقول الله تعالى: اذهبوا … "