للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(أَخْرِجُوا مَنْ عَرَفْتُمْ) أي بالصفة الآتية (فَتُحَرَّمُ) بالبناء للمفعول، أي تُمنَع (صُوَرُهُمْ عَلَى النَّارِ) أي بأن تأكلها، أو تسوّدها (فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا، قَدْ أَخَذَتِ النَّارُ إِلَى نِصْفِ سَاقَيْه، وَإِلَى رُكبَتَيْه، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا مَا بَقِيَ فِيهَا أَحَدٌ مِمَّنْ أَمَرْتَنَا بِهِ) أي بإخراجه (فَيَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ دِينَارٍ) أي مقداره (مِنْ خَيْرٍ، فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجونَ خَلْقًا كَثِيرًا، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا أَحَدًا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا، ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ نِصْفِ دِينَارٍ مِنْ خَيْر، فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَدًا، ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا، فَمَنْ وَجَدْتُمْ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ، فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقًا كَثِيرًا) قال القاضي عياض - رَحِمَهُ اللهُ -: قيل: معنى الخير هنا اليقين، قال: والصحيح أن معناه شيء زائد على مجرد الإيمان؛ لأن الإيمان الذي هو التصديق لا يتجزأ، وإنما يكون هذا التجزؤ لشيء زائد عليه، من عمل صالح، أو ذِكْرٍ خَفِيٍّ، أو عمل من أعمال القلب، من شفقة على مسكين، أو خوف من الله تعالى، ونيّة صادقة، ويدل عليه قوله في الرواية الأُخرى في الكتاب: "يَخْرُج من النار من قال: لا إله إلا الله، وكان في قلبه من الخير ما يَزِنُ كذا"، ومثله الرواية الأخرى: "يقول الله تعالى: شَفَعَت الملائكة، وشَفَع النبيون، وشَفَع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين، فيَقْبض قبضة من النار، فيُخْرِج منها قومًا لم يعملوا خيرًا قط"، وفي الحديث الآخر: "لأخْرِجنّ من قال: لا إله إلا الله"، قال القاضي - رَحِمَهُ اللهُ -: فهؤلاء هم الذين معهم مجرد الإيمان، وهم الذين لم يُؤذَن في الشفاعة فيهم، وإنما دَلَّت الآثار على أنه أُذِن من عنده شيء زائد على مجرد الإيمان، وجُعِل للشافعين من الملائكة والنبيين - صلوات الله وسلامه عليهم - دليلًا عليه، وتفرّد الله - عَزَّ وَجَلَّ - بعلم ما تُكِنّه القلوب، والرحمة من ليس عنده إلا مجرد الإيمان، وضَرَبَ بمثقال الذرة المثل لأقل الخير، فإنها أقل المقادير، قال القاضي: وقوله تعالى: من كان في قلبه ذَرّةٌ، وكذا، دليل على أنه لا ينفع من العمل إلا ما حَضَر له القلب، وصحبته نية، وفيه دليل على زيادة الإيمان ونقصانه، وهو مذهب أهل السنة، هذا آخر كلام القاضي - رَحِمَهُ اللهُ - (١).


(١) "إكمال المعلم" ٢/ ٨٢٥ - ٨٢٩.