للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ثم استدلّ شيخ الإسلام ابن تيمية على مدعاه بما أخرجه ابن مردويه في "تفسيره" من حديث جابر قال: قرأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ} الآية [هود: ١٠٦]، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن شاء الله أن يخرج أناسًا من الذين شقوا من النار فيدخلهم الجنة فَعَل" (١).

وأقول: لا دليل فيه على مدعاه، وهو فناء النار وذهابها، بل فيه دليل على خلافه؛ لأنه لا ينكر الإخراج من النار، ولا يقوله ابن تيمية في حق الكفار، فتعيّن أنه في عصاة الموحدين، وقد سمعت مما نقلناه عن ابن عباس أن الله سمى عصاة الموحدين أشقياء، وقد صرح ابن تيمية بهذا هنا، فقال بعد سرده للحديث:

"إنما يدل على إخراج بعضهم من النار، وهو حقّ بلا ريب، وهو بناء على انقطاعها وفناء عذابها، وأكلها لمن فيها، وأنهم يعذَّبون فيها دائمًا ما دامت كذلك، والحديث دل على أمرين: أحدهما أن بعض الأشقياء إن شاء الله أن يخرجهم من النار، وهي نار فعل، فيكون معنى الاستثناء: {إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} من الأشقياء، فإنهم لا يخلدون فيها، ويكون الأشقياء نوعين: نوعًا يخرجون منها، ونوعًا يخلدون فيها، فيكونون من الذين شقوا أولًا، ثم يصيرون من الذين سُعدوا، فيجتمع لهم السعادة والشقاوة في وقتين". انتهى (٢).


= حتى تصعد إلى هذا المكان وتتناول نجوم السماء بيدك القصيرة ورجلك العرجاء؟ أما ما كان لك في مكسري (؟) طلبتك من أهل النحو واللغة ما يردّك عن الدخول فيما لا تعرف والتكلم بما لا تدري؟ فيا لله العجب ما يفعل القُصور في علم الرواية والبعد عن معرفتها إلى أبعد مكان من الفضيحة لمن لم يعرف قدر نفسه ولا أوقفها حيث أوقفها الله سبحانه".
(١) "الحادي" ٢/ ١٧٩، وساق إسناده ابن مردويه من طريق الطبراني، ومنه تبيّن أن فيه من كذّبه ابن معين وآخر لا يُعرف، ولذلك خرّجته في "الضعيفة" (٥٢٠٠). وإن سكوت المؤلف عنه قصور فما حسن، فإنه أوهم ثبوته حين اقتصر في رده استدلال ابن تيمية بمتنه بأنه لا دليل فيه، فكان عليه أن يبيّن حال إسناده أولًا، ثم يرد دلالته ثانيًا كما يقتضيه المنهج العلمي السليم. ثم إنه ليس في "الحادي" التصريح بذكر ابن تيميهّ مستدلًا بهذا الأثر، ولا جاء ذكره في المخطوطة. الألبانيّ -رَحِمَهُ اللهُ-.
(٢) الحادي ٢/ ١٨٠، ولم يعزه لابن تيمية ولا ذُكر في المخطوطة.