الكلبَ خسأً: طردته، وخسأ الكلبُ نفسُه يتعدى، ولا يتعدى، واخسأ أيضًا وهو خطاب زجر، واستهانة؛ أي: اسكت صاغرًا مطرودًا.
وقوله: (فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ") بنصب "تعدو" بـ "لن"، وقال السفاقسيّ: وقع هنا "فلن تعد" بغير واو، وقال القزاز هي لغة لبعض العرب، يجزمون بـ "لن"، مثل "لم" وقال ابن مالك: الجزم بـ "لن" لغة حكاها الكسائيّ، وقيل: حُذفت الواو تخفيفًا، وقيل: "لن" بمعنى "لا"، أو "لم" بالتأويل، وقال ابن الجوزيّ: يعني، لا يبلغ قدرك أن تطالع الغيب من قِبل الوحي المخصوص بالأنبياء عليهم السلام، ولا من قبيل الإلهام الذي يدركه الصالحون، وإنما كان الذي قاله من شيء ألقاه الشيطان إليه، إما لكون النبيّ تكلم بذلك بينه وبين نفسه، فسمعه الشيطان، وإما أن يكون الشيطان سمع ما يجري بينهما من السماء؛ لأنه إذا قُضي القضاء في السماء تكلمت به الملائكة عليهم السلام، فاسْتَرَقَ الشيطان السمع، وإما أن يكون رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- حدّث بعض أصحابه بما أضمر، ويدل على ذلك قول عمر -رضي اللَّه عنه-: وخبّأ له رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: {يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ}[الدخان: ١٠]، فالظاهر أنه أعلم الصحابة بما يخبّأ له، وإنما فعل ذلك به ليختبره عن طريقة الكهان، وليتعيّن للصحابة حاله وكذبه (١).
وقوله: (فَإِنْ يَكُنِ الَّذِي تَخَافُ لَنْ تَسْتَطِيعَ قَتْلَهُ") وفي رواية البخاريّ: "إن يكنه فلن تسلّط عليه"، فقوله:"إن يكنه" هذا الضمير المتصل في يكنه هو خبر "يكن"، وقد وُضع موضع المنفصل، واسمها مستتر فيها، ويروى: إن يكن هو، وهو الصحيح؛ لأن المختار في خبر "كان" هو الانفصال، وعلى تقدير هذه الرواية لفظ "هو" تأكيد للضمير المستتر، و"كان" تامة، أو وضع "هو" موضع "إياه"، أي إن يكن إياه؛ أي: الدجال.
قوله:"وإن لم يكنه"؛ أي: وإن لم يكن هو دجالًا فلا خير في قتله.
وقال في "الفتح": قوله: "فلن تعدو قدرك"؛ أي: لن تجاوز ما قدر اللَّه فيك، أو مقدار أمثالك من الكهان.