للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

إِلَى مَرْيَمَ) أي أبلغها إليها (وَرُوحٌ مِنْهُ، فَاشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَيَقُولُ لَهُمْ عِيسَى - صلى الله عليه وسلم -: إِنَّ رَبِّي قَدْ غَضِبَ الْيَوْمَ غَضَبًا لَمْ يَغْضَبْ قَبْلَهُ مِثْلَهُ، وَلَنْ يَغْضَبَ بَعْدَهُ مِثْلَهُ، وَلَمْ يَذْكُرْ لَهُ ذَنْبًا) يعني في هذه الرواية، وإلا فقد ورد في رواية الترمذيّ من حديث أبي نضرة، عن أبي سعيد - رضي الله عنه -: "إني عُبدت من دون الله"، وفي رواية أحمد، والنسائيّ من حديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما -: "إني اتُّخِذتُ إلهًا من دون الله"، وفي رواية ثابت عند سعيد بن منصور نحوه، وزاد: "وإن يُغفَر لي اليومَ حسبي". (نَفْسِي نَفْسِي، اذْهَبُوا إِلَى غَيْرِي، اذْهَبُوا إِلَى مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم -، فَيَأْتُوني، فَيَقُولُونَ: يَا مُحَمَّدُ، أَنْتَ رَسُولُ الله، وَخَاتَمُ الْأَنْبِيَاء، وَغَفَرَ اللهُ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبكَ وَمَا تَأَخَّرَ، اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، أَلَا تَرَى مَا نَحْنُ فِيهِ؟ أَلَا تَرَى مَا قَدْ بَلَغَنَا؟ فَأَنْطَلِقُ، فَآتِي تَحْتَ الْعَرْش، فَأَقَعُ سَاجِدًا لِرَبِّي) قال القرطبيّ رحمه الله: قد زاد عليه في حديث أنس - رضي الله عنه -: "فأنطلق، فأستأذن على ربّي، فيؤذن لي، فأقوم بين يديه، فأحمده بمحامد، ثم أخرّ ساجدًا"، قال: وبمجموع الحديثين يكمل المعنى، ويُعلَم مراعاة النبيّ - صلى الله عليه وسلم - لآداب الحضرة العليّة (١).

(ثُمَّ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيَّ، وَيُلْهِمُنِي مِنْ مَحَامِدِه، وَحُسْنِ الثَّنَاءِ عَلَيْه، شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ لِأَحَدٍ قَبْلِي) وفي رواية ثابت عن أنس: "فأحمد ربي بمحامد لم يحمده بها أحدٌ قبلي، ولا يحمده بها أحدٌ بعدي".

قال القرطبيّ رَحمه اللهُ: يدلّ حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - على أن المحامد كانت بعد السجود، وحديث أنسّ - رضي الله عنه - يدلّ على أنها كانت قبل السجود في حالة القيام، وذلك يدلّ على أنه - صلى الله عليه وسلم - أكثر من التحميد والثناء في هذا المقام كلّه في قيامه وسجوده إلى أن أُسعِف في طَلِبَته. انتهى (٢).

(ثُمَّ يُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ (٣)، فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَقُولُ: يَا رَبّ، أَمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، أَدْخِلِ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِكَ) قال القرطبيّ رَحمه اللهُ: هذا يدلّ على أنه - صلى الله عليه وسلم - شُفِّع فيما طلبه من تعجيل حساب أهل


(١) "المفهم" ١/ ٤٣٥ - ٤٣٦.
(٢) "المفهم" ١/ ٤٣٥ - ٤٣٦.
(٣) وفي نسخة: "واشفع" بالواو.