الموقف، فإنه لَمّا أُمر بإدخال من لا حساب عليه من أمته، فقد شَرَع في حساب من عليه حساب من أمته وغيرهم، ولذلك قال في الرواية الأخرى:"فيؤذن له، وتُرسَل الأمانة والرحِمُ، فيقومان جنبتي الصراط"، هذا المساق أحسن من مساق حديث معبد، عن أنس - رضي الله عنه -، فإنه ذكر فيه عقب استشفاعه لأهل الموقف أنه أُجيب بشفاعته لأمته، وليست الشفاعة العامّة التي طَلَب منه أهل الموقف، وكأنه هذا الحديث سُكِت فيه عن هذه الشفاعة، فذكرت شفاعته لأمته؛ لأن هذه الشفاعة هي التي طُلبت من أنس - رضي الله عنه - أن يُحدّث بها في ذلك الوقت، وهي التي أنكرها أهل البدع، والله تعالى أعلم (١).
(مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ) يعني به - والله أعلم - السبعين الذين لا يسترقون، ولا يتطيّرون، وعلى ربهم يتوكّلون، قاله القرطبيّ (مِنَ الْبَابِ الْأَيْمَن، مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ) هو الباب الذي يكون عن يمين القاصد إلى الجنّة بعد جواز الصراط، واختير؛ لكونه أفضل الأبواب، والله تعالى أعلم (وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْأَبْوَابِ) قال القرطبيّ رحمه الله: يَحْتَمِل أن يعود هذا الضمير إلى السبعين الذين لا حساب عليهم، وهو الظاهر، ويكون معناه: أنهم لا يُلْجأون إلى الدخول من الباب الأيمن، بل من أيّ باب شاؤوا دخلوا، كما جاء في حديث أبي بكر - رضي الله عنه - حيث قال:"هل يُدْعَى منها كلِّها أحدٌ يا رسول الله؟ قال: نعم، وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر" متّفقٌ عليه، وكما قال - صلى الله عليه وسلم - فيمن أسبغ الوضوء، وهلّل بعده:"أدخله الله من أيّ أبواب الجنّة الثمانية شاء"، رواه مسلم.
ويَحْتَمِلُ أن يعود على الأمة، وفيه بُعْدٌ. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله، وهو تحقيقٌ حسنٌ، والله تعالى أعلم.
(وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِه، إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ) بكسر الميم: جانبا الباب (مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّة، لَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ) - بفتح الهاء والجيم -: مدينة عظيمة، هي قاعدة بلاد البحرين، قال الجوهريّ في "صحاحه": هَجَر اسم بلد مُذَكَّر مصروف، قال: والنسبة إليه هاجريّ، وقال أبو القاسم الزجاجيّ في "الْجُمَل": هَجَر يُذَكَّر ويؤنث.