"بابٌ إذا أوصى لعشيرته الأقربين"، وبيان ذلك أنه إذا أوصى لأقارب فلان، يعمّ القبيلة كلها؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - لَمّا قيل له: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤)} عمّم قبيلته كلّها.
١٠ - (ومنها): أنه استدلّ بعض المالكيّة بقوله: "يا فاطمة بنت محمد، سليني من مالي ما شئت، لا أُغني عنكِ من الله شيئًا"، أن النيابة لا تدخل في أعمال البرّ، إذ لو جاز ذلك لكان يتحمّل عنها - صلى الله عليه وسلم - بما يخلّصها، فإذا كان عمله لا ينفع نيابةً عن ابنته، فغيره أولى بالمنع.
وتُعُقّب بأن هذا كان قبل أن يُعلمه الله - صلى الله عليه وسلم - بأنه يَشفَع فيمن أراد، وتُقبل شفاعته، حتى يُدخل قومًا بغير حساب، ويَرفَع درجات قوم، ويُخرِج من النار من دخلها بذنوبه، أو كان المقام مقام التخويف والتحذير.
أو أنه أراد المبالغة في الحضّ على العمل، ويكون في قوله:"لا أغني شيئًا" إضمار إلا إن أذن الله لي بالشفاعة. قاله في "الفتح"(١).
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: في هذا التعقّب نظرٌ لا يخفى؛ لأن الشفاعة المذكورة ليست ملكًا للنبيّ - صلى الله عليه وسلم -، ولذلك احتاج إلى الاستئذان فيها، وهي محدودة فيمن يأمره الله تعالى بأن يشفع فيهم، لا في جميع أمته، كما تقدم في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فيحُدّ لي حدًّا، فأخرجهم من النار، فأُدخلهم الجنة".
والحاصل أن شفاعته - صلى الله عليه وسلم - ثابتة دون شكّ، إلا أنها ملك لله سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه وتعالى:{قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا}[الزمر: ٤٤]، فتبيّن أن قوله - صلى الله عليه وسلم - هنا:"لا أملك لكم من الله شيئًا" على ظاهره، ففيه الحثّ على التمسّك بأسباب الشفاعة حتى يدخلوا في شفاعته - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه لا تكون إلا لمن رضي الله عنه، كما قال سبحانه وتعالى:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى}[الأنبياء: ٢٨]، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
١١ - (ومنها): ما قاله القاضي عياض رحمه الله: قد استُدِل بالحديث وبسورة {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}[المسد: ١]، على جواز تكنية الكافر، وقد اختَلَف العلماء في ذلك، واختلفت الرواية عن مالك في جواز تكنية الكافر بالجواز والكراهة، وقال بعضهم: إنما يجوز من ذلك ما كان على جهة التألف، وإلا فلا؛ إذ في