للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(التنبيه الثالث): قد تكلّم العلماء في الحكمة التي من أجلها حصل التفريق بين بول الغلام والجارية:

فقال بعضهم: إن بول الغلام يَخرُج من ثُقب ضيّق من قضيب ممتدّ، فيخرج بقوّة وشدّة دفع، فينتشر بوله، وتكثر الإصابة منه، فاقتضت الحكمة التخفيف من حكم نجاسته، وأما الجارية فيخرج بولها من ثقب فيه سعة، وبدون قضيب، فيستقرّ في مكان واحد، فيثبت على أصل نجاسة البول.

وقال بعضهم: إن الغلام فيه حرارة طبيعيّة زائدة على حرارة الجارية، وهو معلوم، وهذه الحرارة تخفّف فضلات الطعام، فإذا صادف أن الطعام خفيف أيضًا، وهو اللبن حصل من مجموع الأمرين خفّة النجاسة، بخلاف الجارية، فليس لديها هذه الحرارة الملطّفة، فتبقى على الأصل (١).

وقال بعضهم: سبب الفرق كثرة حمل الرجال والنساء للذكر، فتعمّ البلوى ببوله، فيشقّ غسله، لذلك.

وقال ابن دقيق العيد: وقد ذُكر في الفرق بينهما أوجهٌ، منها ما هو ركيك، وأقوى ذلك ما قيل: إن النفوس أعلق بالذكور منها بالإناث، يعني فحصلت الرخصة في الذكور لكثرة المشقّة، قاله في "الفتح" (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: ركاكة هذه الأوجه كلها مما لا يخفى على بصير، فالأولى أن نكل علم الحكمة إلى الشارع الحكيم، فإننا نعلم بيقين أنه ما فرّق بين النوعين في الحكم المذكور إلا لحكمة تقتضي التفريق بينهما، ولا يلزمنا أن نعرف تلك الحكمة بالتعيين، فأحكام الله تعالى لا تكون إلا وفق مصلحة العباد، ولكن ربما تظهر، وربّما لا تظهر، فتنبّه، ولا تتكلّف ما لم تُكلَّف مما لا يَعنيك، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل.


(١) راجع: "توضيح الأحكام" للشيخ البسّام ١/ ١٨٤ - ١٨٥.
(٢) "الفتح" ١/ ٣٩١.