للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والحكمة فيه أن الزكاة وجبت مواساةً للفقراء من مال الأغنياء، ولا يُناسب ذلك الإجحافَ بأرباب الأموال، فسامح الشرع أرباب الأموال بما يَضِنُّون به، وَنَهَى الْمُصَدِّقين عن أخذه، كما نهاهم عن أخذ رديء المال من الهَرِمة، وذات الْعَوَار، والدَّرِّيّة (١)، والمريضة، والشَّرَط، واللئيمة (٢)، فلا يؤخذ على الغنيّ خيار ماله، ولا يُعطِي الفقير شرار ماله، بل الوسط، وهكذا جرت حكمته تعالى بالرفق بالعباد في كلّ أمر من الأمور، له الحمد كثيرًا، وله الحكمة البالغة. انتهى (٣).

١٠ - (ومنها): أن الزكاة لا تُدفع إلى كافر، ولا تُدفع أيضًا إلى غنيّ من نصيب الفقراء.

١١ - (ومنها): أنه استَدَلَّ به بعضهم على أن الكفار ليسوا بمخاطبين بفروع الشريعة، من الصلاة والصوم والزكاة، وتحريم الزنا ونحوها؛ لكونه - صلى الله عليه وسلم - قال: "فإن هم أطاعوا لذلك، فأعلمهم أن عليهم"، فدَلّ على أنهم إذا لم يُطيعوا لا يجب عليهم.

قال النوويّ: وهذا الاستدلال ضعيف؛ فإن المراد علمهم بأنهم مُطَالَبون بالصلوات وغيرها في الدنيا، والمطالبةُ في الدنيا لا تكون إلا بعد الإسلام، وليس يلزم من ذلك أن لا يكونوا مخاطبين بها، يزاد في عذابهم بسببها في الآخرة، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - رَتَّبَ ذلك في الدعاء إلى الإسلام، وبدأ بالأهمّ، ألا تراه بدأ - صلى الله عليه وسلم - بالصلاة قبل الزكاة، ولم يقل أحد: إنه يصير مكلفًا بالصلاة دون الزكاة. انتهى كلام النوويّ (٤)، وهو تحقيقٌ حسنٌ. والله تعالى أعلم.

[تنبيه]: المختار أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة المأمور به، والمنهيّ عنه، هذا قول المحققين والأكثرين، وقيل: ليسوا مخاطبين بها، وقيل: مخاطبون بالمنهيّ دون المأمور.


(١) أي: ذات الدّرّ، أي: الحلوبة.
(٢) أي: رُذال المال، وقيل: صِغَارُه، وشِرَاره انتهى "النهاية" ٢/ ٤٦٠.
(٣) "إحكام الأحكام" مع حاشية "العدّة" ٣/ ٢٧٩ - ٢٨٠.
(٤) "شرح مسلم" ١/ ١٩٧ - ١٩٨.