للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وإلى هذا أشرت في "التحفة المرضيّة" بقولي:

وَاعْلَمْ بِأَنَّ أَهْلَ الْكُفْرِ خُوطِبُوا … أَنْ يُؤْمِنُوا بِلَا خِلَافٍ يُنْسَبُ

أَمَّا بِغَيْرِهِ فَالاخْتِلَافُ جَا … وَالْقَوْلُ بِالْخِطَابِ أَقْوَى حُجَجَا

ثم رأيت العلامة الصنعانيّ رحمه الله تعالى قد كتب في هذه المسألة بحثًا نفيسًا، أحببت إيراده هنا لنفاسته:

قال رحمه الله تعالى: قوله: "غير مخاطبين بالفروع"، هكذا أطبق الناس عليه، ولا يخفى أن الله بعث الرسل تدعو العباد إلى طاعته تعالى في كلّ ما أمرت به الرسل، من غير تفرقة بين فروع ولا أصول، بل هذه التفرقة والتسمية حادثة اصطلاحًا قطعًا، وقد بيّن - صلى الله عليه وسلم - في حديث عمر - رضي الله عنه -، وإتيان جبريل عليه السلام يسأله عن الإيمان، والإسلام، فأجابه بأن: "الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت إن استطعت إليه سبيلًا". فقال له جبريل: "صدقت". وإذا كان هذا مسمّى الإسلام بالنصّ النبويّ ورواية "بني الإسلام على خمس"، وذكر هذه، أخرج الأولى مسلم، والترمذيّ، والنسائيّ، وأخرج الثانية الشيخان، والترمذيّ، وأبو داود، والنسائيّ.

وإذا عرفت أن هذا مسمى الإسلام، وقد عرفت أنه - صلى الله عليه وسلم - بُعث يدعو الأمة إلى الإسلام، وقال في كتابه إلى قيصر الذي أخرجه البخاريّ وغيره: "أَسْلِمْ تَسْلَمْ"، فقد دعا إلى هذا المركّب من الخمسة الأجزاء، وهي سواء في صدقه عليها، فلا فروع، ولا أصول، بل هذه تسمية مبتدعة، وإذا كان كذلك، فالدخول في هذا الإسلام مخاطب به كلّ مكلّف، الكافر مكلّف بالدخول فيه، والاتصاف به، والمسلم مكلّف بالاستمرار عليه، فإن امتنع الكافر عن الدخول فيه عُذّب على تركه كما يُعذّب المسلم على تركه لأيّ أجزائه عمدًا، فالكفّار مخاطبون بهذا الذي اصطلحوا على تسميته فروعًا، فإن امتنع الكافر عن الإسلام عوقب على تركه الإسلام بجميع أجزائه بلا فرق. وقالت الكفّار لَمّا سُئلوا: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (٤٣)} [المدثر: ٤٢، ٤٣]، والرسل من أولهم إلى آخرهم يقولون لأممهم: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ} الآية [الأعراف: ٥٩]، وعبادته المأمور بها شاملة لكلّ ما تأمرهم به