أبي قيس، هو رجل بصريّ (١)، قال: سألت عائشة عن وتر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كيف كان يوتر، من أول الليل، أو من آخره؛ فقالت: كل ذلك قد كان يصنع، ربما أوتر من أول الليل، وربما أوتر من آخره، فقلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعةً، فقلت: كيف كانت قراءته، أكان يُسِرّ بالقراءة، أم يجهر؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل، قد كان ربما أسرّ، وربما جهر، قال: فقلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعةً، قلت: فكيف كان يصنع في الجنابة، أكان يغتسل قبل أن ينام، أو ينام قبل أن يغتسل؟ قالت: كل ذلك قد كان يفعل، فربما اغتسل فنام، وربما توضأ فنام، قلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة.
قال أبو عيسى - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا حديث حسن غريب، من هذا الوجه. انتهى.
قال عبد الله بن أبي قيس (قُلْتُ: كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِي الْجَنَابَةِ؟)، أي في اغتساله من الجنابة، و"كيف" مفعول مقدّم لـ "يصنع"، و"في" سببيّة، أو بمعنى "من"، والتقدير: أيَّ شيء يَصنع بسبب الجنابة، أو من إصابة الجنابة له، والله أعلم.
(أَكَانَ يَغْتَسِلُ قَبْلَ أَنْ يَنَامَ، أَمْ يَنَامُ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ؟ قَالَتْ) عائشة - رضي الله عنها - (كُلُّ ذَلِكَ) برفع "كلُّ" على الابتداء، أي كلٌّ من الاغتسال أولَ الليل، والاغتسال آخره، وخبره قوله:(قَدْ كَانَ يَفْعَلُ) والرابط مقدّر، أي يفعله، ويَحْتَمل أن يكون بنصب "كلّ" مفعولًا مقدّمًا لـ "يفعل"(رُبَّمَا اغْتَسَلَ فَنَامَ)"ربّما" كافّة ومكفوفة، فـ "ما" كفّت "ربّ" عن عمل الجرّ، وهيّئتها للدخول على الجملة الفعليّة، وهي تفيد التقليل، والتكثير، والظاهر أنها للتكثير للمقابلة في قولها:"ربما … " و"ربما … "، أي كثيرًا ما كان يفعل هذا، وكثيرًا ما كان يفعل هذا (وَرُبَّمَا تَوَضَّأَ فَنَامَ، قُلْتُ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِي جَعَلَ فِي الْأَمْرِ)، أي في أمر الشريعة، أو أمر الجنابة (سَعَةً)، أي سهولةً ويُسرًا، و"السَّعَةُ" بفتح السين والعين المهملتين، ويجوز كسر السين، قال الفيّوميّ - رَحِمَهُ اللهُ -: وَسِعَ الإناءُ المتاعَ يَسَعُهُ
(١) هكذا النسخة، والظاهر أنه مصحّف عن "نَصْريّ" بالنون؛ لأنه نصريّ، حمصيّ، لا بصريّ، كما سبق في ترجمته، فتأمّل.