جَوَامِعَ الْكَلِمِ) وفي الرواية التالية:"بُعِثتُ بجوامع الكلم"، وهو من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي الكلم الجوامع، وهو جمع جامعة، كما قال في "الخلاصة":
وقال ابن الأثير -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "جوامع الكلم" يعني به القرآن، جمع اللَّه تعالى بلطفه في الألفاظ اليسيرة منه معاني كثيرةً، واحدها جامعة، أي كلمة جامعة، ومنه الحديث في صفته -صلى اللَّه عليه وسلم-: "كان يتكلّم بجوامع الكلم" أي أنه كان كثير المعاني، قليل اللفظ، ومنه حديث:"كان يستحبّ الجوامع من الدعاء"، هي التي تجمع الأغراض الصالحة، والمقاصد الصحيحة، أو تجمع الثناء على اللَّه تعالى، وآداب المسألة. انتهى (١).
قال الجامع عفا اللَّه تعالى عنه: الأصحّ أن جوامع الكلم لا يختصّ بالقرآن، بل هو موجود في كلامه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمِمّا ذكروا من أمثلة جوامع الكلم في القرآن قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٧٩)} [البقرة: ١٧٩]، وقوله: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (٥٢)} [النور: ٥٢]، إلى غير ذلك.
ومن أمثلة جوامع الكلم من الأحاديث النبويّة حديث عائشة -رضي اللَّه عنها-: "كل عمل ليس عليه أمرنا فهو ردّ"، وحديث:"كلّ شرط ليس في كتاب اللَّه، فهو باطل"، متّفق عليهما، وحديث أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-: "وإذا أمرتكم بأمر، فأتوا منه ما استطعتم"، متفق عليه، وحديث المقدام -رضي اللَّه عنه-: "ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًّا من بطنه. . . " الحديث، أخرجه الأربعة، وصححه ابن حبان، والحاكم، إلى غير ذلك مما يكثر بالتتبّع.
وإنما يُسَلَّم ذلك فيما لم تَتَصَرّف الرواة في ألفاظه، والطريق إلى معرفة ذلك أن تَقِلّ مخارج الحديث، وشّفق ألفاظه، وإلا فإن مخارج الحديث إذا كثرت قلّ أن تتّفق ألفاظه لتوارد أكثر الرواة على الاقتصار على الرواية بالمعنى