للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

التشهّد (وَيُلْقِمُ) بضم أوله، من الإلقام، يقال: ألقمت الطَّعام: إذا أدخلته في فيك (كفَّهُ الْيُسْرَى رُكْبَتَهُ) يعني أنه يدخل ركبته في راحة كفّه اليسرى حتى صارت ركبته كاللقمة في كفّه، ولا ينافي هذا ما سيأتي من أنه وضع كفّيه على فخذيه؛ لأنه يُحمل على تعدد الأوقات.

وقال النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: أما قوله: "ووضع يده اليسرى على ركبته"، وفي رواية -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "ويُلْقِم كفه اليسرى ركبته"، فهو دليل على استحباب ذلك، وقد أجمع العلماء على استحباب وضعها عند الركبة، أو على الركبة، وبعضهم يقول: بَعْطِف أصابعها على الركبة، وهو معنى قوله: "ويُلْقِم كفه اليسرى ركبته"، والحكمة في وضعها عند الركبة منعها من العَبَث.

وأما قوله: "ووضع يده اليمنى على فخذه اليمنى" فمُجْمَعٌ على استحبابه.

وقوله: "أشار بإصبعه السبابة، ووضع إبهامه على إصبعه الوُسْطَى"، وفي الرواية الأخرى: "وعَقَدَ ثلاثًا وخمسين" (١)، هاتان الروايتان محمولتان على حالين، ففعل في وقت هذا، وفي وقت هذا، وقد رام بعضهم الجمع بينهما، بأن يكون المراد بقوله: "على إصبعه الوسطى"، أي وضعها قريبًا من أسفل الوُسطى، وحينئذ يكون بمعنى العقد ثلاثًا وخمسين.

قال: وأما الإشارة بالمسبِّحة فمستحبة عندنا؛ للأحاديث الصحيحة، قال أصحابنا: يُشير عند قوله: "إلا اللَّه" من الشهادة. قال الجامع عفا اللَّه عنه: قوله: "يشير عند قوله: إلا اللَّه" هذا مما لا دليل عليه، بل ظواهر الأحاديث تدلّ على أن الإشارة من أول الجلوس إلى آخره، فالحقّ أنه يُشير من أوله إلى آخره، فتبصّر، واللَّه تعالى أعلم.

قال: ويُشير بمسبحة اليمنى لا غير، فلو كانت مقطوعة أو عَلِيلة لم يشر بغيرها، لا من الأصل باليمنى، ولا اليسرى، والسنة أن لا يجاوز بصره إشارته، وفيه حديث صحيح في "سنن أبي داود"، ويشير بها موجَّهةً إلى القبلة، وينوي بالإشارة التوحيد والإخلاص. انتهى كلام النوويّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- (٢).


(١) هو أن يضع الخنصر على راحته، وسيأتي تمام البحث فيه قريبًا.
(٢) "شرح النوويّ" ٥/ ٨١ - ٨٢.