للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولذلك قال في الرواية الأخرى: "وليس وراء ذلك من الإيمان حبّة خردل" (١)، أي لم يبق وراء هذه المرتبة رتبة أخرى. أفاده القرطبيّ رحمه الله تعالى (٢).

وقال السنديّ رحمه الله تعالى: قوله: "أضعف الإيمان": أي أضعف أعمال الإيمان المتعلّقة بإنكار المنكر في ذاته، لا بالنظر إلى غير المستطيع، فإنه بالنظر إليه تمام الوسع والطاقة، وليس عليه غيره. انتهى.

[تنبيه]: قال الشيخ عزّ الدين بن عبد السلام رحمه الله تعالى: فيه سؤالان:

(الأول): ما العامل في المجرورين الأخيرين؟.

(الثاني): قوله: أضعف الإيمان مشكلٌ؛ لأنه يُذمّ فاعله، وأيضًا فقد يعظم إيمان الشخص، وهو لا يستطيع التغيير بيده، فلا يلزم من العجز عن التغيير ضعف الإيمان، لكنه قد جعله أضعف الإيمان، فما الجواب؟.

قال: الجواب عن الأول أنه لا يجوز أن يكون العامل "يُغَيِّرْه" المنطوق به؛ لأنه لو كان كذلك، لكان المعنى: فليغيّره بلسانه، وقلبه، لكن التغيير لا يتأتّى باللسان، ولا بالقلب، فيتعيّن أن يكون العامل فليُنكره بلسانه، وليكرهه بقلبه، فيثبت لكلّ واحد من الأعضاء ما يناسبه.

وعن الثاني: أن المراد بالإيمان هنا الإيمان المجازيّ (٣) الذي هو الأعمال، ولا شكّ أن التقرّب بالكراهة، ليس كالتقرّب بالذي ذكره قبله، ولم يُذكر ذلك للذمّ، وذُكر ليعلَم المكلّف حَقَارة ما حصل في هذا القسم، فيرتقي إلى غيره. انتهى كلام ابن عبد السلام. نقله السيوطيّ في شرح النسائيّ (٤)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الحديث:

(المسألة الأولى): في درجته: حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - هذا من أفراد المصنّف، فلم يُخرجه البخاريّ.


(١) هو في حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - الآتي بعد هذا.
(٢) "المفهم" ١/ ٢٣٤.
(٣) التعبير بالإيمان المجازيّ فيه نظر لا يخفى، فتبصّر.
(٤) راجع: "زَهْر الرُّبَى في شرح المجتبى" ٨/ ١١٢ - ١١٣.