أن غير المستطيع لا يجب عليه، وإنما عليه أن ينكر بقلبه. والله تعالى أعلم.
٦ - (ومنها): أنه يدلّ على مراتب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فأوّلها الإنكار باليد، والثاني الإنكار باللسان، والثالث، وهو الأخير الإنكار بالقلب.
٧ - (ومنها): أنه يدلّ على أن من خاف على نفسه القتل، أو الضرب سقط عنه تغيير المنكر، وهو مذهب المحقّقين سلفًا وخلفًا، وذهبت طائفة من الغُلاة إلى أنه لا يسقط، وإن خاف ذلك (١)، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): قد تكلّم النوويّ رحمه الله تعالى على هذا الحديث في "شرحه" بكلام نفيسٍ، ملخّص مما قاله المحقّقون، أحببت إيراده هنا، وإن كان بعضه تقدّم، إلا أن ذكره مجموعًا في موضع واحد أعون على استيعابه، وأسرع لاستحضاره:
قال رحمه الله تعالى: وأما قوله - صلى الله عليه وسلم -: "فليغيره": فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة، وقد تَطَابق على وجوب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة، وهو أيضًا من النصيحة التي هي الدين، ولم يخالف في ذلك إلا بعض الرافضة، ولا يُعتَدّ بخلافهم، كما قال الإمام أبو المعالي، إمام الحرمين: لا يُكتَرث بخلافهم في هذا، فقد أجمع المسلمون عليه قبل أن ينبغ هؤلاء.
ووجوبه بالشرع، لا بالعقل، خلافًا للمعتزلة، وأما قول الله عز وجل:{عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} الآية [المائدة: ١٠٥]، فليس مخالفًا لما ذكرناه؛ لأن المذهب الصحيح عند المحققين في معنى الآية: إنكم إذا فعلتم ما كُلّفتم به، فلا يضركم تقصير غيركم، مثل قوله تعالى:{وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}[الإسراء: ١٥]، وإذا كان كذلك، فمما كُلِّف به الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فإذا فعله، ولم يمتثل المخاطَب، فلا عَتْبَ بعد ذلك على الفاعل؛ لكونه أدى ما عليه، فإنما عليه الأمر والنهي، لا القبول، والله أعلم.