ثم إن الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر فرض كفاية، إذا قام به بعض الناس، سقط الحرج عن الباقين، وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه، بلا عذر، ولا خوف.
ثم إنه قد يتعين كما إذا كان في موضع لا يَعْلَم به إلا هو، أو لا يتمكن من إزالته إلا هو، وكمن يَرَى زوجته، أو ولده، أو غلامه على منكر، أو تقصير في المعروف.
قال العلماء رحمهم الله تعالى: ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ لكونه لا يفيد في ظنه، بل يجب عليه فعله، {فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}[الذاريات: ٥٥]، وقد قدمنا أن الذي عليه الأمر والنهي، لا القبول، وكما قال الله عز وجل:{وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}[العنكبوت: ١٨]، ومَثَّل العلماء هذا بمن يرى إنسانًا في الحمام، أو غيره، مكشوف بعض العورة، ونحو ذلك، والله أعلم.
قال العلماء: ولا يشترط في الآمر والناهي أن يكون كاملَ الحال، ممتثلًا ما يأمر به، مجتنبًا ما ينهى عنه، بل عليه الأمر، وإن كان مُخِلًّا بما يأمر به، والنهي وإن كان متلبسًا بما ينهى عنه، فإنه يجب عليه شيئان: أن يأمر نفسه، وينهاها ويأمر غيره وينهاه، فإذا أخلّ بأحدهما، كيف يباح له الإخلال بالآخر؟.
قال العلماء: ولا يختص الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، بأصحاب الولايات، بل ذلك جائز لآحاد المسلمين، قال إمام الحرمين: والدليل عليه إجماع المسلمين، فإن غير الولاة في الصدر الأول، والعصر الذي يليه، كانوا يأمرون الولاة بالمعروف، وينهونهم عن المنكر، مع تقرير المسلمين إياهم، وترك توبيخهم على التشاغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من غير ولاية، والله أعلم.
ثم إنه إنما يأمر وينهى، من كان عالمًا بما يأمر به وينهى عنه، وذلك يختلف باختلاف الشيء، فإن كان من الواجبات الظاهرة، والمحرمات المشهورة، كالصلاة، والصيام، والزنا، والخمر، ونحوها، فكل المسلمين علماء بها، وإن كان من دقائق الأفعال، والأقوال، ومما يتعلق بالاجتهاد، لم