يهابَنّ من ينكر عليه؛ لارتفاع مرتبته، فإن الله تعالى قال:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ}[الحجّ: ٤٠]، وقال تعالى:{وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ}[آل عمران: ١٠١]، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}[العنكبوت: ٦٩]، وقال تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (٣)} [العنكبوت: ٢ - ٣].
(واعلم): أن الأجر على قدر النَّصَب، ولا يتاركه أيضًا لصداقته ومودّته، ومداهنته، وطلب الوجاهة عنده، ودوام المنزلة لديه، فإن صداقته ومودته، توجب له حرمة وحقًّا، ومن حقه أن ينصحه، ويَهديه إلى مصالح آخرته، وينقذه من مضارّها، وصديق الإنسان ومحبه، هو من سعى في عمارة آخرته، وإن أدّى ذلك إلى نقص في دنياه، وعدُوُّه من يسعى في ذهاب، أو نقص آخرته، وإن حصل بسبب ذلك صورة نفع في دنياه، وإنما كان إبليسَ عدوًا لنا لهذا، وكانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين أولياء للمؤمنين؛ لسعيهم في مصالح آخرتهم، وهدايتهم إليها، ونسأل الله الكريم توفيقنا، وأحبابنا، وسائر المسلمين لمرضاته، وأن يعمّنا بجوده ورحمته، والله أعلم.
وينبغي للآمر بالمعروف، والناهي عن المنكر، أن يَرفُقَ، ليكون أقرب إلى تحصيل المطلوب، فقد قال الإمام الشافعيّ رحمه الله تعالى: من وعظ أخاه سرًّا فقد نصحه وزانه، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه.
ومما يتساهل أكثر الناس فيه من هذا الباب: ما إذا رأى إنسانًا يبيع متاعًا معيبًا، أو نحوه، فإنهم لا ينكرون ذلك، ولا يُعَرِّفون المشتري بعيبه، وهذا خطأ ظاهر، وقد نصّ العلماء على أنه يجب على من عَلِم ذلك، أن ينكر على البائع، وأن يُعلم المشتري به، والله أعلم. وأما صفة النهي، ومراتبه، فقد قال النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في هذا الحديث الصحيح:"فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه"، فقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فبقلبه" معناه: فليكرهه بقلبه، وليس ذلك بإزالة، وتغيير منه للمنكر، ولكنه هو الذي في وسعه، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وذلك أضعف الإيمان"، معناه - والله أعلم - أقله ثمرة.
قال القاضي عياض رحمه الله تعالى: هذا الحديث أصلٌ في صفة التغيير، فَحَقُّ المغير أن يغيره بكل وجه أمكنه زواله به، قولًا كان أو فعلًا،