فيكسر آلات الباطل، ويُريق المسكر بنفسه، أو يأمر من يفعله، ويَنزع الغُصوب، ويَرُدُّها إلى أصحابها بنفسه، أو يأمر بذلك إذا أمكنه، ويرفق في التغيير جهده بالجاهل، وبذي العزة الظالم الْمَخُوف شرّه؛ إذ ذلك أدعى إلى قبول قوله، كما يستحب أن يكون متولي ذلك من أهل الصلاح والفضل؛ لهذا المعنى، ويُغلظ على المتمادي في غيه، والمسرف في بطالته، إذا أمن أن يؤثّر إغلاظُهُ منكرًا أشدَّ مما غَيَّرَهُ؛ لكون جانبه محميًا عن سطوة الظالم، فإن غلب على ظنه أن تغييره بيده، يسبب منكرًا أشد منه، من قتله، أو قتل غيره، بسببه، كَفَّ يده، واقتصر على القول باللسان، والوعظ، والتخويف، فإن خاف أن يسبب قوله مثل ذلك، غَيَّر بقلبه، وكان في سعة، وهذا هو المراد بالحديث - إن شاء الله تعالى - وإن وَجَد من يستعين به على ذلك، استعان ما لم يؤدّ ذلك إلى إظهار سلاح وحرب، ولْيَرْفع ذلك إلى من له الأمر، إن كان الْمُنْكَر من غيره، أو يقتصر على تغييره بقلبه، هذا هو فقه المسألة، وصواب العمل فيها عند العلماء والمحققين، خلافًا لمن رأى الإنكار بالتصريح بكل حال، وإن قُتل ونِيل منه كل أَذًى، هذا آخر كلام القاضي رحمه الله تعالى.
قال إمام الحرمين رحمه الله تعالى: ويسوغ لآحاد الرعية، أن يَصُدّ مرتكب الكبيرة، إن لم يندفع عنها بقوله، ما لم ينته الأمر إلى نصب قتال، وشَهْر سلاح، فإن انتهى الأمر إلى ذلك، ربط الأمر بالسلطان، قال: وإذا جار والي الوقت، وظهر ظلمه وغشمه، ولم ينزجر حين زُجر عن سوء صنيعه بالقول، فلأهل الحلّ والعقد التواطؤ على خلعه، ولو بشهر الأسلحة، ونصب الحروب، هذا كلام إمام الحرمين، وهذا الذي ذكره من خلعه غريب، ومع هذا فهو محمول على ما إذا لم يُخَف منه إثارة مفسدة أعظم منه.
قال: وليس للآمر بالمعروف البحث، والتنقير، والتجسس، واقتحام الدُّور بالظنون، بل إن عَثَرَ على منكر غَيّره جهده، هذا كلام إمام الحرمين.
وقال أقضى القضاة الماورديّ: ليس للمحتسِب أن يبحث عما لم يَظْهَر من المحرَّمات، فإن غلب على الظن استسرار قوم بها؛ لأمَارَة، وآثار ظهرت، فذلك ضربان:
[أحدهما]: أن يكون ذلك في انتهاك حرمة، يفوت استدراكها، مثل أن