للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أي: عليك بالنوم أمامك ليلٌ طويلٌ، فالكلام حينئذ جملتان، والثانية مستأنفة، كالتعليل للأولى. انتهى (١).

[تنبيه]: قال القرطبيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: هذا الذي يعقده الشيطان كأنه من باب عَقد السواحر {النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: ٤] وذلك أنهنّ يأخذن خيطًا، فيعقدن عليه عقدةً منه، ويتكلّمن بالسحر، فيتأثّر المسحور عند ذلك، إما بمرض، أو تخييل، أو تحريك قلب، أو تحزين، أو غير ذلك، فشُبّه فعل الشيطان بالنائم بفعل السواحر، وذلك أن النائم كلّما أراد أن يقوم ليذكر اللَّه تعالى، أو يصلّي غرّه وخَدَعه، بأن يقول له: عليك ليلٌ طويلٌ فارقُد، فيُريه أنه لطول ما بقي عليه من الليل ما يمكنه استيفاء راحته من النوم، وقيامه بعد ذلك لحزبه، فيُصغي لذلك ويرقُد، ثم إن استيقظ ثانيةً فعل به ذلك، وكذلك ثالثةً، فلا يستيقظ من الثالثة إلا وقد طلع الفجر، فيفوته ما كان أراد من القيام. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": وقد اختُلِفَ في هذه العُقَد، فقيل: هو على الحقيقة، وأنه كما يَعْقِد الساحر مَن يسحره، وأكثر من يفعله النساء، تأخذ إحداهنّ الخيط، فتعقد منه عُقدة، وتتكلّم عليه بالسحر، فيتأثّر المسحور عند ذلك، ومنه قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (٤)} [الفلق: ٤]، وعلى هذا فالمعقود شيء عند قافية الرأس، لا قافية الرأس نفسها، وهل العقد في شعر الرأس، أو في غيره؟ الأقرب الثاني؛ إذ ليس لكلّ أحد شعر، ويؤيده ما ورد في بعض طرقه أن على رأس كل آدمي حبلًا، ففي رواية ابن ماجه، ومحمد بن نصر من طريق أبي صالح، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه-، مرفوعًا: "على قافية رأس أحدكم حبل، فيه ثلاث عُقَد"، ولأحمد من طريق الحسن، عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- بلفظ: "إذا نام أحدكم عُقِد على رأسه بجرير"، ولابن خزيمة، وابن حبّان من حديث جابر -رضي اللَّه عنه-، مرفوعًا: "ما من ذَكَر، ولا أنثى إلا على رأسه جَرير معقود حين يرقُد. . . " الحديث، وفي "الثواب" لآدم بن أبي إياس من مرسل الحسن نحوه.

و"الجرير" بفتح الجيم: هو الحبل، وفَهِمَ بعضهم من هذا أن العُقَدَ


(١) "الكاشف" ٤/ ١٢٠٠ - ١٢٠١.
(٢) "المفهم" ٢/ ٤٠٨ - ٤٠٩.