للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: القرّاء السبعة على ضمّ الدال في قوله: {الْحَمْدُ لِلَّه}، مبتدأً، وخبرًا. وروي عن سفيان بن عُيينة، ورؤبة بن العجاج أنهما قالا: "الحمدَ لله" بالنصب، وهو على إضمار فعل. وقرأ ابن أبي عَبْلَة: "الحمدُ لُلّه" بضمّ الدّال واللام إتباعًا للثاني الأولَ، وله شواهد، لكنه شاذّ. وعن الحسن، وزيد بن عليّ: "الحمدِ لِلّه" بكسر الدال إتباعًا للأول الثانيَ. انتهى كلام ابن كثير. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

مسائل تتعلّق بـ "الحمدُ لله":

المسألة الأولى: قال الشارح النوويّ رحمه الله تعالى في "شرحه" لهذا الكتاب: إنما بدأ بالحمد؛ لحديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "كلّ أمر ذي بال، لا يُبدأ فيه بـ "الحمد لله" فهو أقطع". وفي رواية: "بحمد الله". وفي رواية: "بالحمد، فهو أقطع". وفي رواية: "أجذم". وفي رواية: "لا يُبدأ فيه بذكر الله". وفي رواية: "ببسم الله الرحمن الرحيم". رَوَينا كلّ هذه في "كتاب الأربعين" للحافض عبد القادر الرُّهَاويّ، سماعًا من صاحبه الشيخ أبي محمد عبد الرحمن بن سالم الأنباريّ، عنه. وروينا فيه أيضًا من رواية كعب بن مالك الصحابيّ -رضي الله عنه- والمشهور رواية أبي هريرة -رضي الله عنه-. وهذا الحديث حسنٌ، رواه أبو داود، وابن ماجه في "سننهما"، ورواه النسائيّ في كتاب "عمل اليوم والليلة"، روي موصولًا، ومرسلًا، ورواية الموصول إسنادها جيّد.

ومعنى "أقطع": قليل البركة، وكذلك: "أجذم" -بالجيم، والذال المعجمة- ويقال: جَذِمَ -بكسر الذال- يَجْذَمُ -بفتحها. والله أعلم. انتهى كلام النوويّ (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله النوويّ من تحسين هذا الحديث، وتابعه عليه التاج السبكيّ، وطوّل الكلام عليه في أوائل "طبقات الشافعيّة الكبرى"، كما تقدّم ليس بجيّد، فإن الحديث ضعيفٌ جدًّا.

قال أبو داود فى "سننه" بعد أن رواه موصولًا من طريق قُرّة، عن الزهريّ، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعًا بلفظ: "بالحمد فهو أجذم": ما نصّه: رواه يونس، وعُقيلٌ، وشُعيبٌ، وسعيد بن عبد العزيز، عن الزهريّ، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، مرسلًا. يشير إلى أن الصحيح فيه الإرسال، وهو الذي جزم به الدارقطنيّ، هو الصواب؛ لأن هؤلاء الذين أرسلوه أكثر، وأوثق من قُرّة، وهو ابن عبد الرحمن الْمَعَافريّ المصريّ، بل هو ضعفه الجمهور، فقد قال الجُوزجانيّ، عن أحمد: منكر الحديث جدًّا. وعن


(١) راجع شرح مسلم ج ١ ص ٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>