للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال المحلّيّ رحمه الله تعالى في شرحه على "جمع الجوامع" في الأصول: و"محمد" علم منقول من اسم مفعول المضعّف، سمّي به نبيّنا -صلى الله عليه وسلم- بإلهام من الله تعالى؛ تفاؤلًا بأنه يَكثُر حمد الخلق له لكثرة خصاله الجميلة، كما روي في السير أنه قيل لجدّه عبد المطّلب، وقد سمّاه في سابع ولادته لموت أبيه قبلها. لِمَ سمّيت ابنك محمدًا، وليس من أسماء آبائك، ولا قومك؟ قال: رجوت أن يُحمد في السماء والأرض، وقد حقّق الله تعالى رجاءه، كيا سبق في علمه تعالى انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

المسألة الثالثة: أفرد المصنّف رحمه اللهُ تعالى الصلاة عن السلام، حيث قال: "وصلى الله على محمد"، ولم يزد: "وسلم" إشارةً إلى أنّ إفراد أحدهما عن الآخر ليس مكروهًا، كما قيل.

قال الحافظ السخاويّ رحمه الله تعالى: استُدلّ بحديث كعب بن عُجرة -صلى الله عليه وسلم- غيره- يعني حديث تعليمه -صلى الله عليه وسلم- الصلاة الإبراهيميّة لمّا سألوه عن كيفيّة الصلاة عليه- على أن إفراد الصلاة عن التسليم لا يكره، وكذا العكس؛ لأن تعليم السلام تقدّم قبل تعليم الصلاة، فأُفرِدَ التسليمُ مدّةً في التشهّد قبل الصلاة عليه.

وقد صرّح النوويّ رحمه الله تعالى في "الأذكار" وغيره بالكراهة، واستدلّ بورود الأمر بهما معاً في الآية. قال شيخنا -يعني الحافظ ابن حجر-. وفيه نظر، نعم يكره أن يُفرد الصلاة، ولا يُسلّم أصلًا، أما لو صلّى في وقتٍ، وسلّم في وقتٍ آخر، فإنه يكون ممتثلًا انتهى كلام السخاويّ (١).

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: لي في هذا وقفتان:

(الأولى): قول النوويّ بكراهة الإفراد مما لا دليل عليه، فإنّ مجرّد الاقتران في الآية لا يدلّ عليه، كما أنّ قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} الآية لا يدلّ على ذلك، فلا قائل بأن من وجبت عليه الزكاة لا بدّ أن يؤدّيها مقرونة بالصلاة، بحيث إنه لو فرّق بينهما كُره عليه.

(الثانية): قول الحافظ رحمه الله تعالى: نعم يكره أن يفرد الصلاة، ولا يُسلّم أصلًا الخ محلّ نظر أيضًا؛ لأنه لا يمكن حصول ذلك أصلًا؛ لأنه لا بدّ أن يصلّي الصلوات الخمس، فإذا صلّى لا بدّ أن يتشهّد، وفيه السلام، فلا يمكن عدم السلام أصلًا، فتنبّه.

والحاصل أن القول بكراهة الإفراد غير صحيح، بل الجمع بينهما مستحبّ. والله


(١) "القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع" ص ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>