للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبق ذكر الأقسام الثمانية المذكورة نظمًا، فراجعه تستفد، وبالله تعالى التوفيق.

(بِالأَسَانِيدِ) جمع إسناد -بالكسر- وهو في الأصل ذكر طريق الحديث، لكن المراد هنا نفس الطريق، وإنما جمعه، وإن كان المصدر لا يُجمع، نظرًا إلى أنواعه، فإنه قد يكون عاليًا، وقد يكون نازلًا، وتارة يكون مُتّصلًا بالسماع، وتارة بالقراءة، وتارة بهما، وغير ذلك.

(الَّتِي بِهَا نُقِلَتْ) بالبناء للمفعول، أي نقل أهل الحديث تلك الأخبار بتلك الأسانيد (وَتَدَاوَلَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا بَيْنَهُمْ) أي تناقلوها، من المداولة، يقال: تداول القوم الشيء تدوُلًا، وهو حصوله في يد هذا تارةً، وفي يد هذا تارةً أخرى، والاسم الدَّوْلة -بفتح الدّال، وضمّها، وجمع المفتوح دِوَلٌ -بالكسر- مثلُ قَصْعَة، وقِصَعٍ، وجمع المضموم دُوَلٌ، مثل غُرْفَة وغُرَف. ومنهم من يقول: الدُّولَ -بالضمّ في المالَ، وبالفتح في الحرب. قاله في "المصباح".

وأشار بهذه الجملة إلى أن المطلوب أن تكون الأسانيد مشهورة بين أهل الحديث، واحترز بذلك عن الأسانيد الغريبة، فإن أغلبها لا تكون إلا ضعافًا، فلا تصلح لجمع الأخبار الصحيحة بها.

وقد ذمّ أهل العلم الغريب من الحديث ذمًّا شديدًا، وسنذكر ما نُقل عنهم فيه في المسألة الثامنة، إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

مسائل تتعلّق بما تقدّم من كلام المصنّف رحمه الله تعالى:

المسألة الأولى: في الكلام على إتيان المصنّف رحمه الله تعالى في خطبته بـ "أمّا بعد":

اعلم: أنه إنما أتى بها رحمه الله تعالى في أول كلامه؛ اتباعًا للسنّة، فقد أخرج الطبرانيّ: أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خطب قال: "أما بعد" (١).

وقد عقد الإمام البخاريّ رحمه الله تعالى في "كتاب الجمعة" من "صحيحه" بابًا فقال: "باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد"، فأورد حديث أسماء بنت أبي بكر -رضي الله عنهم- في الكسوف بطوله، وفيه: فخطب الناس، وحمد الله، بما هو أهله، ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: "أما بعد". وحديث عمرو بن تَغْلِب -رضي الله عنه- في قسمة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الفيء، وفيه: فحمد الله، ثم أثنى عليه، ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: "أما بعد". وحديث عائشة -رضي الله عنها- صلاة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ليلا في المسجد، فصلّى رجال بصلاته ... الحديث، وفيه: فتشهّد، ثم قال -صلى الله عليه وسلم-: "أما بعد". وحديث أبي حُميد الساعديّ -رضي الله عنه-. أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام عشيّة بعد الصلاة، فتشهّد،


(١) في "المعجم الكبير" ١٠/ ١٩٨. وقال الحافظ الهيثميّ: في "المجمع" ٢/ ١٨٨: رجاله موثّقون.

<<  <  ج: ص:  >  >>