للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بيّن رَحِمَهُ اللهُ تعالى أن التأليف الذي سأله إياه حينما يتدبّره، وينظر في مآله فإن له منفعة موجودة في الدنيا؛ إذ به تحفظ الأحاديث النبويّة التي عليها انبنى الشرع الشريف، وله عاقبة محمودة في الأخرى؛ إذ يترتّب عليه الأجر العظيم. والله تعالى أعلم.

الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

(وَلِلَّذِي سَأَلْتَ) بكسر اللام، جارٌّ ومجرور متعلّق بمحذوف، خبرٍ لـ "عاقبةٌ"، وقال النوويّ رَحِمَهُ اللهُ تعالى بعد ضبطه بكسر اللام: ما نصّه: وإنما ضبطته، وإن كان ظاهرًا؛ لأنه مما يُغْلَطُ فيه، ويُصحّف، وقد رأيت ذلك غير مرّة انتهى.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي ادعاه النوويّ من الغلط، إن كان لعدم صحة الرواية به، فمسلَّمٌ، وإلا فلفتح اللام وجهٌ صحيحٌ، وذلك أنه للابتداء، والموصول مبتدأ، خبره "عاقبة محمودة" على حذف مضاف، تقديره: أي ذو عاقبة محمودة، فتأمّل. والله تعالى أعلم.

وعائد الموصول محذوفٌ؛ لكونه فضلة، كما قال ابن مالك، في "الخلاصة":

......................... ... وَالْحَذْفُ عِنْهُمْ كَثِيرٌ مُنْجَلِي

فِي عَائِدٍ مُتَّصلٍ إِنِ انْتَصَبْ ... بِفِعْلٍ أَوْ وَصْفٍ كَمَنْ نَرْجُو يَهَبْ

(أَكْرَمَكَ اللهُ) جملة دعائيّة، معترضة بين المبتدأ والخبر (حِينَ رَجَعْتُ إِلَى تَدَبُّرِهِ) "حين" منصوبٌ على الظرفية، متعلّق بما تعلّق به الجارّ والمجرور قبله، وهو اسم زمان قليلًا كان، أو كثيرًا، والجمع أحيان. و"التدبّر": النظر في العاقبة، يقال: تدبّرتُ الأمرَ تدبّرًا: إذا نظرت في دُبُره، وهو عاقبته، وآخرِه. أفاده في "المصباح".

فيكون المعنى هنا: وقتَ رجوعي إلى النظر في عاقبة الأمر الذي سألته.

[فائدة]: قال أبو حاتم السجستانيّ اللغويّ: غَلِطَ كثير من العلماء، فجعلوا "حين" بمعنى "حيث"، والصواب أن يقال: "حيث" -بالثاء المثلّثة- ظرف مكان، و"حين" -بالنون- ظرف زمان، فيقال: قُمتُ حيث قمتَ، أي في الموضع الذي قمت فيه، واذهب حيث شِئتَ، أي إلى أيّ موضع شئتَ. وأما "حين" -بالنون- فيقال: قمتُ حين قمتَ، أي في ذلك الوقت، ولا يقال: حيث خرج الحاجّ -بالثاء المثلّثة. وضابطه أن كلَّ موضع حسُنَ فيه "أينَ"، و"أَيٌّ"، اختصّ به "حيث" -بالثاء-، وكلُّ موضع حَسُنَ فيه "إذا"، و"لَمّا"، و"يومٌ"، و"وقتٌ"، وشبهه، اختصّ به "حين" -بالنون- انتهى. ذكره في "المصباح" (١).

(وَمَا تَؤُولُ إليهِ الْحَالُ) أي ما يرجع إليه حال الأمر الذي سألته، يقال: آل الشيء


(١) راجع "المصباح المنير" في مادة حين.

<<  <  ج: ص:  >  >>