للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتأول الحاكم أنه إنما أراد أن يُفرد لكلّ طبقة كتابًا، أو يأتي بأحاديثها خاصةً مفردةً، وليس ذلك مراده، بل إنما أراد بما ظهر من تأليفه، وبان من غرضه أن يجمع في الأبواب، ويأتي بأحاديث الطبقتين، فيبدأ بالأولى، ثم يأتي بالثانية على طريقة الاستشهاد والإتباع حتى يستوفي جميع الأقسام الثلاثة.

ويحتمل أن يكون أراد بالطبقات الثلاث من الناس الحفّاظ، ثم الذين يلونهم، والثالثة التي طرح، والله أعلم بمراده.

وكذلك أيضًا علل الحديث التي ذكر، ووعد أنه يأتي بها، قد جاء بها في مواضعها من الأبواب، من اختلافهم في الأسانيد، والإرسال، والإسناد، والزيادة، والنقص، وذكر تصحيف المحدّثين.

وهذا يدلّ على استيفائه غرضه في تأليفه، وإدخاله في كتابه كلّ ما وعد به.

وقد فاوضت في تأويلي هذا، ورأيي فيه مَن يَفهم هذا البابَ، فما وجدت منصفًا إلا صوّبه، وبان له ما ذكرت، وهو ظاهر لمن تأمل الكتاب، وطالع مجموع الأبواب.

ولا يُعترض على هذا بما نقل عن ابن سفيان من أن مسلمًا رَحِمَهُ اللهُ تعالى أخرج ثلاثة كتب من المسندات، واحدًا هذا الذي قرأه على الناس، والثاني يُدخل فيه عكرمة، وابن إسحاق صاحب المغازي، وأمثالهما، والثالث فيه الضعفاء. انتهى.

فإنك إذا تأملت ما ذكر ابن سفيان لم يطابق الغرض الذي أشار إليه الحاكم، مما ذكر مسلم في صدر كتابه، فتأمله تجده كذلك، إن شاء الله تعالى انتهى كلام القاضي عياض رَحِمَهُ اللهُ تعالى بتصرّف.

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: هذا الذي قاله القاضي عياض رَحِمَهُ اللهُ تعالى من أن تقسيم مسلم الأحاديث على ثلاثة أقسام إنما هو في صحيحه، لا في تأليف آخر، كما ادعاه الحاكم أبو عبد الله، وتبعه على ذلك تلميذه البيهقيّ رحمهما الله تعالى، كما ذكره النوويّ، صوّبه جماعة، منهم الإمامان: ابن الصلاح، والنوويّ رحمهما الله تعالى، وهو الذي أصوّبه، ولا أرى غيره. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

[المسألة الثانية: في قوله: "وثلاث طبقات من الناس" (١)]

اعلم: أن "الطبقات" جمع "طبقة"، وهي في اللغة: الجماعة من الناس، أو القوم


(١) قد تقدّم أن المراد من "الطبقات" في كلام مسلم عبارة عن ثلاثة أصناف من الناس، الذين يتشابه كلّ صنف منها في الصفة، إما في الحفظ، والإتقان، أو سوء الحفظ، أو نحو ذلك، وليس المراد الطبقة بمعنى التشابه في الأخذ والسنّ، فتنبّه.

<<  <  ج: ص:  >  >>