للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتقنون، وإنما الضارّ هو الاختلاف الفاحش الذي يوجد في روايات الضعفاء، وهؤلاء هم الذين يقال لهم: رجال الصحيح، أي أن ما رووه من الأحاديث صحيح لذاته. والله تعالى أعلم.

الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

(فَأَمَّا القِسْمُ الْأَوَّلُ) أي من أقسام الأخبار الثلاثة (فَإِنَّا نَتَوخَّى) أي نتحرّى، ونقصد، يقال: توخّيتُ الأمر: إذا تحرّيته في الطلب. قاله في "المصباح". وقال في "اللسان": وَخَى الأمرَ: قصده، قال الشاعر [من مشطور الرجز]:

قَالَتْ وَلَمْ تَقْصِدْ بِهِ وَلَمْ تَخِهْ ... مَا بَالُ شَيْخٍ آضَ مِنْ تَشَيُّخِهْ

كَالْكُزَّرِ (١) الْمَرْبُوطِ بَيْنَ أَفْرُخِهْ

وتَوَخَّاهُ كوَخَاهُ، وقد وَخَيْتُ غَيري، وقد وَخَيْتُ وَخْيَكَ: أي قصَدتُ قَصْدَك، وتوخّيتُ الشيءَ أتوخّاه: إذا قصدت إليه، وتعمدَّتُ فعله، وتَحَرَّيتَ فيه. انتهى باختصار.

(أَنْ نُقَدِّمَ الْأَخْبَارَ الَّتِي هِيَ أَسْلَمُ مِنَ الْعُيُوبِ) جمع عيب، وهو النقص، والمراد به ما يَقدَح في صحة الأخبار، كالعلة ونحوها، أَي أسلم من وجود العيوب التي تقدح في صحّتها، وقوله: (مِنْ غَيْرِهَا) متعلّق بـ "أسلم" كما تعلق به ما قبله، فـ "من" الأولى للتعدية؛ لأن "سَلِم" يتعدّى بـ "من"، يقال: سلم من الآفة سَلامةً، من باب تعب، كما تفيده عبارة "القاموس"، و "من" الثانية بمعنى "على"، كما في قوله تعالى: {وَنَصَرْنَاهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا} [الأنبياء: ٧٧]: أي عليهم.

والمعنى: أنه يتحرّى في تقديم الأخبار التي هي سالمة من العيوب على غيرها مما لم يسلَم منها، كالقسم الثاني الذي سيأتي بيان المصنف له قريبًا، إن شاء الله تعالى.

(وَأَنْقَى) أفعل تفضيل من النقاء بالنون، والقاف، وهو النظافة، يقال: نَقِي الشيء، من باب تَعِبَ نَقَاءً -بالفتح والمدّ- ونَقَاوةً -بالفتح-: نَظُفَ، فهو نَقِيٌّ على فَعِيلٍ، ويُعَدَّى بالهمزة والتضعيف. قاله الفيّوميّ. فقوله: "أنقى" تأكيد لمعنى "أسلم".

ثم بيّن رَحِمَهُ اللهَ تعالى ما تكون به الأخبار سالمة من العيوب، وذلك بكون رواتها عُدُولًا ضابطين تمام الضبط، فقال:

(مِنْ أَنْ يَكُونَ نَاقِلُوهَا) "من" هنا بمعنى اللام، كما في قوله تعالى: {مِمَّا


(١) "الكُرَّزُ" كقُبَّر الصقر والبازي، وطائر أتى عليه حول انتهى "ق".

<<  <  ج: ص:  >  >>