للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قوله: "ولكن من أجل ما أعلمناك الخ" هو بمعنى الكلام السابق في قوله: "فلولا رأينا الخ"، أتى به مؤكّدًا له.

وحاصل المعنى: أنه إنما انتصب لبيان ما سأله مُرِيدُ تمييز الصحيح من القسم، وتأليفه في كتاب ملخّص، لا يكثر فيه التكرار؛ لنشر بعض الناس الأخبارَ المنكرةَ، وروايتها لعوام الناس الذين لا يميّزون الصحيح، من السقيم، ذَبّا عن السنة الصحيحة المطهرة، ودفاعًا عنها أن لا يختلط بها ما ليس منها، فجزاه الله تعالى أحسن الجزاء على هذه الخدمة الطيّبة للسنة النبوية، وقد نفع الله عزّ وجلّ بكتابه الأمة جمعاء، منذ أن ألفه إلى يومنا هذا، وسيبقى -إن شاء الله تعالى- ما دامت السنة المطهرة باقية، وقد أخبر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ببقائها إلى أن يأتي أمر الله، فقد أخرج البخاري في "كتاب العلم" من "صحيحه" من حديث معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما-، مرفوعًا: "ولن تزال هذه الأمة قائمة على أمر الله، لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله". والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

{إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.

١ - (بَاب وُجُوبِ الرِّوَايَةِ عَنِ الثِّقَاتِ وَتَرْكِ الْكَذَّابِينَ وَالتَّحْذِيرِ مِنَ الْكَذِبِ عَلَى رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-).

قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى:

(وَاعْلَمْ وَفَّقَكَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ الْوَاجِبَ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ عَرَفَ التَّمْيِيزَ بَيْنَ صَحِيحِ الرِّوَايَاتِ وَسَقِيمِهَا وَثِقَاتِ النَّاقِلِينَ لَهَا مِنَ الْمُتَّهَمِينَ أَنْ لَا يَرْوِيَ مِنْهَا إِلَّا مَا عَرَفَ صِحَّةَ مَخَارِجِهِ وَالسِّتَارَةَ فِي نَاقِلِيهِ وَأَنْ يَتَّقِيَ مِنْهَا مَا كَان مِنْهَا عَنْ أَهْلِ التُّهَمِ وَالْمُعَانِدِينَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ).

إيضاح المعنى الإجماليّ لهذه الفِقْرة:

بيّن رحمه الله تعالى في هذا الكلام أن الذي يجب على كلّ من له تمييز بين الأحاديث الصحيحة والضعيفة، وبين الرواة الثقاة والضعفاء من المتّهمين بالكذب وغيره أن لا يُحدّث إلا بما عرف صحة طريقه، وثقة رواته، وأن يجتنب أحاديث المتّهمين، والمبتدعين الذي يعاندون الحقّ، ويَدْعُون إلى الباطل. والله تعالى أعلم.

إيضاح الشرح التفصيليّ لهذه الفقرة:

(وَاعْلَمْ وَفَّقَكَ اللَّهُ تَعَالَى) جملة دعائية، معترضة بين العامل، وهو "اعلم"،

ومعموله، وهو قوله: (أَنَّ الْوَاجِبَ) بفتح همزة "أن" لوقوعها موقع المصدر (عَلَى كُلِّ

<<  <  ج: ص:  >  >>