للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مسائل تتعلّق بكلام المصنّف المذكور:

[(المسألة الأولى): في اختلاف أهل العلم في حكم الرواية عن الضعفاء من أهل التهمة بالكذب، وكثرة الغلط والغفلة]

اعلم: أنهم اختلفوا في ذلك على قولين:

[أحدهما]: جواز الرواية عنهم، حكاه الترمذيّ في "العلل الصغير" عن سفيان الثوريّ، قال الحافظ ابن رجب: لكن كلامه في روايته عن الكلبيّ يدلّ على أنه لم يكن يُحدّث إلا بما يَعرِف أنه صِدْقٌ.

[الثاني]: أنها لا تجوز، ذُكِرَ ذلك عن أبي عوانة، وابن المبارك، وحكاه الترمذيّ عن أكثر أهل الحديث من الأئمة. وقد ذكر الحاكم المذهب الأول عن مالك، والشافعيّ، وأبي حنيفة، واعتمد في حكايته عن مالك على روايته عن عبد الكريم أبي أمية، ولكن اعتُذر عنه بأنه لم يعرفه حيث كان من الغرباء، وفي حكايته عن الشافعيّ على روايته عن إبراهيم بن أبي يحيى، وأبي داود سليمان بن عمرو النخعيّ، وغيرهما من المجروحين، وفي حكايته عن أبي حنيفة على روايته عن جابر الجعفيّ، وأبي العطوف الجزريّ، قال: وحدّث أبو يوسف، ومحمد بن الحسن عن الحسن بن عمارة، وعبد الله بن مُحَرَّر، وغيرهما من المجروحين. قال: وكذلك مَنْ بَعدَهم من أئمة المسلمين قرنًا بعد قرنٍ، وعصرًا بعد عصر إلى عصرنا هذا لم يَخْلُ حديث إمام من أئمة الفريقين (١) عن مطعون فيه من المحدّثين، وللأئمة في ذلك غرض ظاهر، وهو أن يَعرِفوا الحديث من أين مخرجه؟ ، والمنفرد به عدلٌ أم لا؟ .

ثم روى بإسناده عن الأثرم قال: رأى أحمد بن حنبل يحيى بنَ معين بصنعاء يكتب صحيفة معمر عن أبان، عن أنس، فإذا اطّلَع عليه إنسانٌ كتمه، فقال له أحمد: تكتب صحيفة معمر، عن أبان، وتَعلَم أنها موضوعة، فلو قال لك قائلٌ: أنت تتكلم في أبان، ثم تكتب حديثه على الوجه؟ فقال: رحمك الله يا أبا عبد الله أكتُبُ هذه الصحيفة عن عبد الرزاق، عن معمر على الوجه، فأحفظها كلها، وأعلم أنها موضوعة، حتى لا يجيء بعده إنسان، فيجعل بدل ابن ثابتًا، ويرويَهَا عن معمر، عن ثابت، عن أنس، فأقول له: كذبت، إنما هي عن معمر، عن أبان، لا عن ثابت. وذكر أيضًا من طريق أحمد بن عليّ الأبّار قال: قال يحيى بن معين: كتبنا عن الكذّابين، وسجرنا به التنّور، وأخرجنا به خبزًا نضيجًا. وأخرج العقيليّ من طريق أبي غسّان قال: جاءني علي بن المدينيّ، فكتب عنّي عن عبد السلام بن حرب أحاديث إسحاق بن أبي فَرْوة، فقلت:


(١) يعني المجوّزين للرواية عن الضعفاء، والمانعين عنها.

<<  <  ج: ص:  >  >>